فلما قام بين يديه سلم فقال له الحسن: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيى به الأموات، ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم، ومصابيح الدجى فان ضوء النهار بعضه أضوء من بعض أما علمت أن الله عز وجل جعل ولد إبراهيم أئمة وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود زبورا، وقد علمت بما استأثر الله محمدا صلى الله عليه وآله.
يا محمد بن علي إني لا أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: " كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق " (1) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا، يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك؟ قال:
بلى، قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا، يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه علم الله أنكم خير خلقه، فاصطفى منكم محمدا واختار محمد عليا واختارني علي للإمامة واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي [وسيدي] (2) وأنت وسيلتي إلى محمد والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره بعد الرياح (3) كالكتاب المعجم، في الرق المنمنم، أهم بابدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرسل وإنه لكلام يكل به لسان الناطق، ويد الكاتب (4) ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله.