ثم قال ابن زياد: إصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده فقال مسلم رحمه الله: والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف، فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له:
اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به، وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا.
وأشرفوا به على موضع الحذائين اليوم، فضرب عنقه وأتبع رأسه جثته (1).
وقال السيد، ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمد بن الأشعث: يا مسلم لك الأمان، فقال مسلم: وأي أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم، ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن " أقسمت لا اقتل إلا حرا " إلى آخر الأبيات، فنادى إليه إنك لا تكذب، ولا تغر، فلم يلتفت إلى ذلك، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فاخذ أسيرا فلما دخل على عبيد الله لم يسلم عليه، فقال له الحرسي: سلم على الأمير، فقال له:
اسكت يا ويحك، والله ما هو لي بأمير، فقال ابن زياد: لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني ثم قال ابن زياد: يا عاق ويا شاق، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة، فقال مسلم: كذبت يا ابن زياد إنما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته.
ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر: فضرب عنقه ونزل مذعورا، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ فقال: أيها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيئ الوجه حذائي عاضا على أصبعه أو قال شفتيه، ففزعت فزعا لم أفزعه قط! فقال ابن زياد:
لعلك دهشت (2).