وقال السيد: أتاه خبر مسلم في زبالة ثم إنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال: يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته؟ قال: فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال: رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه، وتحيته ورضوانه، أما إنه قد قضى ما عليه، وبقي ما علينا، ثم أنشأ يقول:
فان تكن الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل وإن تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرء بالسيف في الله أفضل وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في الرزق أجمل وإن تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به الحر يبخل (1) وقال المفيد: ثم انتظر حتى إذا كان السحر، فقال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا، ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر.
وقال السيد: فاستعبر باكيا ثم قال: اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، إنك على كل شئ قدير (2).
وقال المفيد رحمه الله: فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، وهانئ ابن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، في غير حرج، ليس عليه ذمام، فتفرق الناس عنه، وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون.