من المواضع.
ولم يسلم أيضا الأمر إلى معاوية، بل كف عن المحاربة والمغالبة، لفقد الأعوان وعوز الأنصار، وتلاقي الفتنة على ما ذكرناه، فيغلب عليه معاوية بالقهر والسلطان، مع ما أنه كان متغلبا على أكثره، ولو أظهر عليه السلام له التسليم قولا لما كان فيه شئ إذا كان عن إكراه واضطهاد.
فأما البيعة فان أريد بها الصفقة وإظهار الرضا والكف عن المنازعة، فقد كان ذلك، لكنا قد بينا جهة وقوعه، والأسباب المحوجة إليه، ولا حجة في ذلك عليه صلوات الله عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه صلوات الله عليهما لما بايع المتقدمين عليه، وكف عن نزاعهم، وأمسك عن غلابهم.
وإن أريد بالبيعة الرضا وطيب النفس، فالحال شاهد بخلاف ذلك، وكلامه المشهور كله يدل على أنه أحوج وأحرج، وأن الأمر له وهو أحق الناس به وإنما كف عن المنازعة فيه للغلبة والقهر والخوف على الدين والمسلمين.
فأما أخذ العطاء فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين صلوات الله عليه من ذلك أن أخذه من يد الجابر الظالم المتغلب جائز، وأنه لا لوم فيه على الأخذ ولا حرج، وأما أخذ الصلات فسائغ بل واجب، لأن كل مال في يد الغالب الجابر المتغلب على أمر الأمة، يجب على الامام وعلى جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن، بالطوع أو الاكراه، ووضعه في مواضعه.
فإذا لم يتمكن عليه السلام من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله تعالى وأخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة، فواجب عليه أن يتناوله من يده، ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقه، لأن التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلا له عليه السلام.
وليس لأحد أن يقول: إن الصلات التي كان يقبلها من معاوية أنه كان ينفقها على نفسه وعياله، ولا يخرجها إلى غيره، وذلك أن هذا مما لا يمكن أن يدعى العلم به والقطع عليه، ولا شك أنه عليه السلام كان ينفق منها لأن فيها حقه وحق