ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ثم قال: أوصيني بما شئت فإنك تجدني فيها أمضي كما أمرتني به وأختار أمرك على أمري.
ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم رسول الله أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة [أختي] (1) أمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لابد لهم من النساء.
قال: فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أربع ليس لي إلى فراقه سبيل، بنت [أبي العاص] (2) أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله).
ثم قالت: أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته فقال ها: صفيه لي فوصفته فاتخذه لها فأول نعش عمل على وجه الأرض ذاك وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم عدوي وعدو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تترك أن يصلي علي أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الابصار ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبنيها وبعلها وبنيها.
فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخوا صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه! يا بنت رسول الله! وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي (عليه السلام): وهو جالس والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما.
وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسبجها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك، فقدا لا لقاء بعده أبدا.
واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، وخرج أبو ذر وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخر اخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا.