والاشراف للمصالح سبيل لما عدل أمير المؤمنين عليه السلام إلى العدل والتسوية، مع ما رآه عيانا من تفرق أصحابه عنه لذلك وميلهم إلى معاوية بقبضه عنهم ما عودهم به عمر بن الخطاب كما سيأتي (1)، ولم يكن يختار أمرا يوجب حدوث الفتن وإراقة الدماء، ولما كان يمنع عقيلا صاعا من بر فيذهب إلى معاوية.
فإن قيل: فلم كان الحسنان عليهما السلام يقبلان التفضيل، وأبوهما عليه السلام لم رضي بذلك؟.
قلنا: أما للتقية كما مر مرارا، أو لان عمر لما حرمهم حقهم من الخمس والفئ والأنفال فلعلهما أخذا ما أخذا عوضا من حقوقهم.
ويمكن أن يقال: لما كان أمير المؤمنين عليه السلام ولي الأمر فلعل ما أخذاه صرفه عليه السلام في مصارفه، وكان الاخذ من قبيل الاستنقاذ من الغاصب والاستخلاص من السارق.
ثم من غريب ما ارتكبه عمر من المناقضة في هذه القصة أنه نبذ سنة (2) رسول الله صلى الله عليه وآله وراء ظهره وأعرض عنه رأسا، وفضل من شاء على غيره، ثم لما قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعدل بيننا، عدل بين الثلاث وبين غيرهن سوى عائشة، وقد كان فضل عائشة بألفين (3)، فكيف كانت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله في التسوية بين ثمان من الزوجات حجة، ولم تكن حجة في العدل بين التسع، ولا بين المهاجرين والأنصار وغيرهم؟.
واعلم أن أكثر الفتن الحادثة في الاسلام من فروع هذه البدعة، فإنه لو استمر الناس على ما عودهم الرسول من العدل وجرى عليه الامر في أيام أبي بكر