حميد بن معمر بن حبيب الفهري وكان لبيبا حافظا لما يسمع، وكان يقول: إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، وكانت قريش تسميه ذا القلبين، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمر تلقاه أبو سفيان ابن حرب وهو آخذ بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال: انهزموا، قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك، والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعرفوا يومئذ أنه لم يكن له إلا قلب واحد لما نسي نعله في يده، عن مجاهد وقتادة، وإحدى الروايتين عن ابن عباس، وقيل: إن المنافقين كانوا يقولون: إن لمحمد قلبين ينسبونه إلى الدهاء فأكذبهم الله تعالى بذلك، عن ابن عباس (1).
وفي قوله تعالى: " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض " أي فجور وضعف في الايمان " والمرجفون " وهم المنافقون أيضا الذين كانوا يرجفون في المدينة بالاخبار الكاذبة المضعفة لقلوب المسلمين بأن يقولوا: اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب المسلمين ونحو ذلك ويقولوا لسرايا المسلمين: انهم قتلوا وهزموا، وتقدير الكلام لئن لم ينته هؤلاء عن أذى المسلمين وعن الارجاف بما يشغل قلوبهم " لنغرينك بهم " أي لنسلطنك عليهم، أي أمرناك بقتلهم حتى تقتلهم وتخلي عنهم المدينة، وقد حصل الاغراء بقوله: " جاهد الكفار والمنافقين " وقيل: لم يحصل لأنهم انتهوا " أينما ثقفوا " أي وجدوا وظفر بهم (2).
وفي قوله تعالى: " وقال الذين كفروا " وهم اليهود، وقيل: هم مشركو - العرب، وهو الأصح " ولا بالذي بين يديه " من أمر الآخرة، وقيل: يعنون به التوراة والإنجيل، وذلك أنه لما قال مؤمنوا أهل الكتاب: إن صفة محمد (صلى الله عليه وآله) في كتابنا وهو نبي مبعوث كفر المشركون بكتابهم (3).