وما كنت لأعطي الله في أثر حذيفة وأطيعك، وأما ما ذكرت أني أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر لاكل الشعير وسف الخوص والاستغناء به عن ريع المطعم والمشرب وعن عصب مؤمن وادعاء ما ليس لي بحق (1) أفضل وأحب إلى الله عز وجل، وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أصاب الشعير أكله وفرح به ولم يسخط (2)، وأما ما ذكرت من عطائي (3) فإني قدمته ليوم فاقتي وحاجتي، ورب العزة يا عمر ما أبالي إذا جاز طعامي لهواتي، وساغ لي في حلقي، ألباب البر ومخ المعز كان أو خشارة الشعير وأما قولك: إني أضعفت سلطان الله وأوهنته وأذللت نفسي وامتهنتها حتى جهل أهل المدائن أمارتي فاتخذوني جسرا يمشون فوقي، ويحملون علي ثقل حمولتهم، وزعمت أن ذلك مما يوهن سلطان الله ويذله، فاعلم أن التذلل في طاعة الله أحب إلي من التعزز في معصية الله وقد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألف الناس ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه، حتى كان (4) بعضهم في الدنو منهم، وقد كان يأكل الجشب ويلبس الخشن، وكان الناس عنده قرشيهم وعربيهم وأبيضهم وأسودهم سواء في الدين فأشهد أني سمعته يقول: " من ولى سبعة من المسلمين بعدي ثم لم يعدل فيهم لقي الله وهو عليه غضبان " فليتني يا عمر أسلم من أمارة المدائن مع ما ذكرت أني ذللت نفسي وامتهنتها، فكيف يا عمر حال من ولى الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإني سمعت الله يقول:
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علو في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (5) " اعلم أني لم أتوجه أسوسهم وأقيم حدود الله فيهم إلا بارشاد دليل عالم (6)، فنهجت فيهم بنهجه، وسرت فيهم بسيرته، واعلم أن الله تبارك وتعالى لو أراد بهذه الأمة خيرا وأراد بهم رشدا الولي عليهم أفضلهم وأعلمهم، ولو كانت هذه