أنهم كانوا يتحرزون من ثياب المشركين حتى لا تلتزق بثيابهم، وعن أبدانهم حتى لا تمس أبدانهم، وبلغ تراحمهم فيما بينهم أن كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه.
ومثله قوله: " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين (1) ".
" تراهم ركعا سجدا " هذا إخبار عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها " يبتغون فضلا من الله ورضوانا " أي يلتمسون بذلك زيادة نعمهم من الله ويطلبون مرضاته " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " أي علامتهم يوم القيامة أن يكون مواضع سجودهم أشد بياضا، عن ابن عباس وعطية، قال شهر بن حوشب: تكون مواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر، وقيل: هو التراب على الجباه لأنهم يسجدون على التراب، لا على الأثواب، عن عكرمة وابن جبير وأبي العالية.
وقيل: هو الصفرة والنحول، قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى " ذلك مثلهم في التوراة " يعني أن ما ذكر من وصفهم هو ما وصفوا به في التوراة أيضا، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال: " ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه " أي فراخه، وقيل: ليس بينهما وقف، والمعنى ذلك مثلهم في التوراة و الإنجيل جميعا.
" فارزه " أي شده وأعانه وقواه، قال المبرد: يعني أن هذه الافراخ لحقت الأمهات حتى صارت مثلها " فاستغلظ " أي غلظ ذلك الزرع " فاستوى على سوقه " أي قام على قصبه وأصوله، فاستوى الصغار مع الكبار، والسوق جمع الساق والمعنى أنه تناهى وبلغ الغاية " يعجب الزراع " أي يروق (2) ذلك الزرع الأكرة الذين زرعوه، قال الواحدي: هذا مثل ضربه الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، فالزرع محمد، والشطأ أصحابه والمؤمنون حوله، وكانوا في ضعف وقلة كما يكون أول الزرع دقيقا ثم غلظ وقوي وتلاحق، فكذلك المؤمنون