كثدي الابكار، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وماؤها من تسنيم، لو أن غرابا طار وهو فرخ لأدركه الهرم من قبل أن يقطعها، وليس منزل من منازل أهل الجنة إلا وظلاله فنن من تلك الشجرة.
قال: فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عز وجل إلى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وملك أمته وذكر ذريته وأهل بيته أمسك الرجلان مخصومين، وانقطع التحاور بينهم في ذلك، قال: فلما فلج (1) حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه (2) في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قدروا (3) من تحريفها، ولم يمكنهما أن يلبسا على الناس في تأويلهما (4) أمسكا عن المنازعة من هذا الوجه، وعلما أنهما قد أخطئا سبيل الصواب بذلك (5) فصارا إلى بيعتهم آسفين لينظرا ويرتئيا (6) وفزع إليهما نصارى نجران فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما، فقالا ما معناه: تمسكوا بدينكم حتى يكشف (7) دين محمد، و سنسير إلى بني قريش إلى يثرب، وننظر ما جاء به وإلى ما يدعو إليه. قال فلما تجهز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة انتدب معهما أربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا وعلما في أنفسهم وسبعون رجلا من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم، قال: وكان قيس بن الحصين ذو الغصة (8) ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضر موت فقدما نجران على تفيئة (9) مسير قومهم فشخصا معهم، فاعترز القوم في ظهور (10) مطاياهم، وجنبوا (11) خيلهم، وأقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة.