بأنه يقصده، ويقتل أصحابه ويبيد خضراءهم، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله خائفين وجلين من قبله، حتى كانوا يتناوبون على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم عشرون منهم وكلما صاح صائح ظنوا أنه قد طلع أوائل رجاله وأصحابه. وأكثر المنافقون الأراجيف والأكاذيب، وجعلوا يتخللون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، ويقولون: إن أكيدر قد أعد (1) من الرجال كذا، ومن الكراع كذا، ومن المال كذا، وقد نادى فيما يليه من ولايته ألا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة، ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم فأين يقع (2) أصحاب محمد من أصحاب أكيدر؟ يوشك أن يقصد المدينة فيقتل رجالها ويسبي ذراريها (3) ونساءها، حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما هم عليه من الخدع (4) ثم إن المنافقين اتفقوا وبايعوا أبا عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الفاسق، وجعلوه أميرا عليهم وبخعوا (5) له بالطاعة، فقال لهم:
الرأي أن أغيب عن المدينة، لئلا أتهم بتدبيركم (6) وكاتبوا أكيدر في دومة الجندل ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه، وهو يقصدهم فيصطلموه، فأوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وعرفه ما اجتمعوا عليه (7) من أمرهم، وأمره بالمسير إلى تبوك. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد (8) غزوا ورى بغيره إلا غزاة تبوك، فإنه أظهر ما كان يريده، و أمرهم أن يتزودوا لها، وهي الغزاة التي افتضح فيه المنافقون، وذمهم الله تعالى في تثبيطهم عنها، وأظهر رسول الله صلى الله عليه وآله ما أوحى إليه أن سيظفره (9) بأكيدر حتى يأخذه ويصالحه على ألف أوقية من ذهب في صفر، وألف أوقية من ذهب في رجب، ومائتي حلة في صفر، ومائتي حلة في رجب، وينصرف سالما إلى ثمانين يوما، فقال لهم