رسول الله صلى الله عليه وآله: إن موسى وعد (1) قومه أربعين ليلة، وإني (2) أعدكم ثمانين ليلة ثم أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب يكون ولا أحد يستأسر (3) من المؤمنين، فقال المنافقون: لا والله، ولكنها آخر كسراته التي لا ينجبر بعدها، إن أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر، ورياح البوادي، ومياه المواضع المؤذية الفاسدة، ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر، وقتيل وجريح، واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها بعضهم يعتل بالحر، وبعضهم بمرض يجده (4)، وبعضهم بمرض عياله، وكان يأذن لهم، فلما صح (5) عزم رسول الله صلى الله عليه وآله على الرحلة إلى تبوك عمد هؤلاء المنافقون فبنوا مسجدا خارج المدينة وهو مسجد الضرار، يريدون الاجتماع فيه ويوهمون (6) أنه للصلاة، وإنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم لهم به ما يريدون (7)، ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك وإنا نكره الصلاة في غير جماعة، ويصعب علينا الحضور، وقد بنينا مسجدا فإن رأيت أن تقصده وتصلي فيه لتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع مصلاك، فلم يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما عرفه الله من أمرهم و نفاقهم، وقال: ائتوني بحماري، فاتي باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم، فكلما (8) بعثه هو وأصحابه لم ينبعث ولم يمش، فإذا صرف (9) رأسه إلى غيره، سار أحسن سير وأطيبه، قالوا: لعل هذا الحمار قد رأى في هذا (10) الطريق شيئا كرهه، فلذلك لا ينبعث نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إيتوني
(٢٥٩)