فخرج وخرجت، فجعل يمشي وأنا على أثره حتى أتى النخيلة، فوقف هناك مليا ثم تكلم، فسمعت صراخا وضجيجا واستغاثة وقائلا يقول: لم نعلم يا أمير المؤمنين، ولا نعاود إلى مثل ذلك! فقلت: لا شك أنه يخاطب الجن، فبينا أنا كذلك إذ أبصرت إلى الدواب والطعام عليها بحاله.
فقال لي: " سق " فجعلت أسوق وهو بين يدي حتى وافى الكوفة ولم ينفجر الصبح، فلما صرت إلى سوق الطعام قال: " حط هاهنا وارتقبني ولا تبع شيئا حتى أوافيك " وتركني ومضى.
فأصبح الناس وأقيمت سوق الطعام، وامتنع الناس عن الشري والبيع ولم يقلب أحد شيئا مما في السوق من الطعام، واجتمع الناس علي يقولون لي: افتح طعامك وبع حتى نشتري، فأقول: ليس لي حاجة إلى البيع، فيقولون: إنا لا نشتري شيئا مما في الأسواق ولا يبيع أحد شيئا حتى تبيع طعامك، فأقول: إن لي شريكا قد أنتظره ليحضر، فبينا نحن كذلك حتى أقبل أمير المؤمنين، فقام القوم إليه وأثنوا عليه وقالوا:
هل من حاجة؟ قال لهم: " خيرا ".
ثم قال لي: " أحلل طعامك واجلس، فإن أحببت أكيل أنا وتزن أنت، وإن أحببت أزن أنا وتكيل أنت " فقلت: لا، بل تزن أنت وأكيل أنا، فجعل يزن وأنا أكيل حتى اكتفى سائر من كان في السوق من التجار وغيرهم، ولم يبع أحد في ذلك اليوم شيئا من الطعام.
ثم إن أمير المؤمنين جمع المال وحمله على بعض الدواب، وكان مقداره ستين ألف درهم، والطعام مقدار كرين.
فقلت له: يا سيدي، تأخذ منه شطره فقد جعل الله فيه بركة عظيمة ما جعلها لأحد، فقال: " خذه لك، فإنا لا نأخذ على فعل جزاء ".
فرجعت إلى الدسكرة وقد شغلني قلبي فكره وما رأيت منه.
ثم اتجه لي خروج إلى الشام، فخرجت بتجارة، فلما دخلت إلى الشام كنت أبيع