الحديث الثاني والثمانون عن عبد الواحد بن زيد المصري - رجل من أهل الشيعة - قال: كنت حاجا إلى بيت الله الحرام [و] زائرا لقبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبينا أنا ذات يوم بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أنا بجارية على نجيب أحمر في هودج أخضر وهي تقول لأختها: يا أختاه، لا وحق العادل في الرعية، والمعطي بالسوية، والناظر في القضية، بعل فاطمة المرضية، ما كان كيت وكيت.
قال عبد الواحد بن زيد: قلت: يا جارية، ناشدتك الله، ألا تعلميني من هذا الفتى؟ قالت: أتشك في فضله؟ قلت: اللهم لا.
قالت: والله وتالله، وأي فتى! عظيم التوكل، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، وينطق فضلا، ينفجر العلم من فيه، وينطق الحق من نواحيه، علم الأعلام، ومنار الإيمان، وإمام الأمة، وراهب الأئمة، فاق المسيح، وعلا ذكره على كل مديح، هادم الأصنام، والمتبتل للصيام، وكان - صلوات الله عليه - ذا شرف وكرم، يعجبه من الثياب قصيره، ومن الطعام شعيره، ومن الصيام هجيره، ومن الليل قريره، وبالله أحلف على ما أشرح، لقد أبصرته في بعض مواقفه وقد أسدل الليل ظلامه وغارت نجومه، وهو قائم في محرابه قابض على شيبته وقد خضبها بعبرته، وهو يتململ كما يتململ السليم ويتضرع كما يتضرع السقيم، ويعاتب دنياه فيقول:
" يا دنيا، غري غيري، إلي تشوقت؟! أم إلي تعرضت؟! لا حاجة لي فيك ولا طمع لك في. ألا يا طالب الدنيا، قليلا قليلا، مهلا مهلا! [في] حلالها والله حساب، و [في] حرامها عقاب. أما والذي إليه يصير الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، لأصدفن عنك أي صدوف، ولأطوينك طي الصحف! ".
قال عبد الواحد بن زيد: فوكفت دموعي على خدي وقلت: ناشدتك يا جارية إلا ما أخبرتني من هذا الفتى؟
قالت: والله ذلك ليث بني غالب الإمام علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه.