قال عبد الواحد بن زيد: فقلت لها: يا جارية، بم استأهل منك هذا الإمام مديحك؟
قالت: كان أبي رجلا من أصحابه، قتل يوم صفين بين يديه، فلما كان ذات يوم قال لوالدتي: " كيف أصبحت يا أم الأيتام؟ " قالت: بخير يا أمير المؤمنين، فأخرجنا إليه أنا وأختي فألح بالنظر إلينا وكان قد ركبنا من الجدري (1) أمر عظيم، فلما رآنا (عليه السلام) أن لنا وشكا وتمثل وقال:
وما تأوهت من شيء رزئت به * كما تأوهت للأيتام في الصغر قد مات والدهم من كان يكفلهم * في النائبات وفي الأسفار والحضر ثم قال: " أدنيهما مني يا عجوز " فقربتنا والدتي إليه وقد كان والله أذهب الجدري ببصر عيني جميعا، فلما رآني مد يده على عيني وتفل فيهما، فوهبهما الله لي فشفاني! يا شيخ، إني لأبصر الجمل الشارد في الليلة الظلماء في البرية القفراء، على مسير فرسخ أو فرسخين.
قال عبد الواحد بن زيد، فضربت بيدي إلى كمي وأخرجت شيئا من الذهب والفضة، وقلت يا جارية: استعيني بهذا على وقتك، فقالت: إليك عنا يا رجل! قد خلفنا والله أكرم سلف على أفضل خلف.
فقلت: فمن السلف والخلف؟
فقالت: خلفنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على ولده أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، ومن كان في ضيافة الحسن لا يأخذ مما في أيدي الناس!
ثم ولت، فسألت أختها عنها، فقالت: أنا وهي ابنتا عمار بن ياسر العبسي - رضوان الله عليه - صاحب راية رسول الله وصاحب أمير المؤمنين (عليهما السلام) (2).