على شئ كان منه، ووعده ومناه. ثم إنه أحضره في يوم حفل (1) فقال له:
يا شداد قم في الناس واذكر عليا وعبه لأعرف بذلك نيتك في مودتي.
فقال له شداد: أعفني من ذلك، فإن عليا قد لحق بربه، وجوزي بعمله، وكفيت ما كان يهمك منه، وانقادت لك الأمور على إيثارك، فلا تلتمس من الناس ما لا يليق بحلمك. فقال له معاوية: لتقومن بما أمرتك به وإلا فالريب فيك واقع. فقام شداد فقال: الحمد لله الذي فرض طاعته على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا خلقه. على ذلك مضى أولهم، و عليه يمضي آخرهم.
أيها الناس! إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، وإن الدنيا أجل حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له، وإن الله إذا أراد بالعباد خيرا عمل عليهم صلحاءهم، وقضى (3) بينهم فقهاءهم، وجعل المال في أسخيائهم. وإذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاءهم، وقضى بينهم جهلاءهم، وجعل المال عند بخلائهم، وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤها. ونصحك يا معاوية من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل، وقد نصحتك بما قدمت، وما كنت أغشك بخلافه.
فقال له معاوية: اجلس يا شداد، فجلس، فقال له: إني قد أمرت لك بمال يغنيك، ألست من السمحاء الذين جعل الله المال عندهم لصلاح خلقه؟!
فقال له شداد: إن كان ما عندك من المال هو لك دون ما للمسلمين فعمدت لجمعه مخافة تفرقه فأصبته حلالا وأنفقته حلالا، فنعم، وإن كان مما شاركك