في القوم أحرص منه على قتله لكنه أراد أن يغالط بما أجلب في الطلب بدمه لتلبيس الأمر وإيقاع الشك من دخوله في قتله.
وقال بعض الأكابر: إن الرجلين كانا يؤملان الأمر لأنفسهما فلما صار إليه (عليه السلام) عادا إلى رجاء أن يدخلهما في أمره وأن يرفعهما في العطايا على غيرهما كما فضل الشيوخ الثلاثة بعضا على بعض وأن يشاركهما في أكثر الآراء المصلحية محبة منهما للجاه ونظرا إلى محلهما وشرفهما، لكن لما جعل (عليه السلام) دليله الكتاب العزيز والسنة النبوية وكان العالم بهما دون غيره وصاحب أسرارهما كما علمت من رجوع أكابر الصحابة والخلفاء السابقين إليه في كثير من الأمور والأحكام; لا جرم لم يكن به حاجة إلى الاستشارة فيما يقع إليه من الوقائع ولم يجوز ترجيح بعض على بعض في العطاء ولذلك تغيرا عليه، وهذا الذي ذكرناه من جملة أسباب نقض بيعتهما وخروجهما على أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
قوله (ثم قد رأيت أفعالنا فيك وقدرتنا على النأي عنك وسعة البلاد دونك) النأي بالفتح فالسكون مصدر بمعنى البعد تقول: نأيته ونأيت عنه نأيا إذا بعدت منه، وهما أرادا بأفعالنا فيك نقض العهد وترك الطاعة وإظهار العداوة والاعتزال عن حضور الجماعة حال كونهما في المدينة من غير مبالاة به (عليه السلام) وبأصحابه، وبقدرتنا على النأي عنك قدرتهما على الخروج منها منفردين من غير خوف منه ومن أصحابه، وبسعة البلاد متابعة أهل البصرة ومن حولها لهما حتى جعلوهما أميرين لهم.
والغرض من هذا الكلام هو التهديد والوعيد وإظهار التجلد والقدرة على المحاربة ولذلك أجاب (عليه السلام) في بعض كلامه حين بلوغه ذلك وأمثاله: قد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب وأنا على ما وعدني ربي من النصر.
قوله (وإن من كان يصرفك عنا) ظنا أن بعض أصحابه (عليه السلام) منعه من إنجاح مطالبهما وتفويض ولاية بعض البلاد إليهما وتشريكهما في أمره وتفضيلهما في تقسيم حقوق المسلمين وذلك ظن باطل كما قال جل شأنه (إن بعض الظن إثم) إذ الباعث على التسوية هو الكتاب والسنة والمانع مما ذكر هو الله سبحانه إذ لم يجعل لمن في طبعه اللجاج والعناد وفي ذاته الطغيان والفساد ولاية وحكومة على العباد.
قوله (وقد وضح الصبح لذي عينين) استعارة تمثيلية حيث شبها ظهور دولتهما من الافق المعنوي وهو افق الآمال بظهور الصبح من الافق الحسي في عدم خفائه لكل من له عينان صحيحان، أو شبها قلة نفع أصحابه وضعف دفعهم عنه بالنسبة إليهما بظهور الصبح فيما مر