باب التمحيص والامتحان * الأصل:
1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج وعلي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة - ذكرها - يقول فيها: ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا، والله ما كتمت وشمة ولا كذبت كذبة ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم.
* الشرح:
قوله (التمحيص والامتحان) التمحيص بالحاء والصاد المهملتين ابتلاء الإنسان واختباره ليظهر جيده من رديه وخالصه من مغشوشه ويمتاز بعضهم من بعض من محصت الذهب بالنار إذا خلصته مما يشوبه من تراب المعدن وغيره، والامتحان الاختبار بالمحنة وهي ما يمتحن به الإنسان من بلية ومشقة وتكليف ونحو ذلك، من محنت البئر إذا أخرجت ترابها وطينها ليبقى ماؤها خالصا صافيا، ومنه الرجل الممتحن أي المصفى المهذب، والابتلاء لطف من الله تعالى كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وان الله يبتلى عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر».
وليس المراد منه في حقه تعالى الحقيقة وهي طلب العلم بما يؤول إليه أحوال العباد لأنه علام الغيوب لا يعزب عنه شيء بل المراد به المجاز فإن ابتلاءه لعباده بالتكليف مثلا باعتبار أن ثوابه وعقابه لهم كانا موقوفين على تكليفهم وطاعتهم وعصيانهم فأشبه ذلك ابتلاء الإنسان عبيده بأمر ونهي اختباره لهم ليعلم من أطاعه منهم ممن عصاه فيكرم الأول ويهين الثاني، فأطلق عليه لفظ الابتلاء والاختبار باعتبار التشارك في الصورة والأثر وكذلك ابتلاء الإنسان واختباره بما أوجد فيه من الطبيعة المائلة إلى الفساد فإنه لما خلق فيه من القوة الشهوية والغضبية وما يتبعها، وكان لهذه القوى ميول إلى لذات الدنيا وكانت النفس في الأكثر تابعة لها مائلة إلى مشتهياتها ثم مع ذلك كان المطلوب من النفس ترك تلك المتابعة والالتفات إلى أمر الآخرة وجذب تلك القوى واستعمالها في ذلك الأمر كانت إرادته تعالى لذلك الالتفات مع منازعة الهوى وجذب القوى وما يترتب عليه من الثواب والعقاب أشبه ابتلاء الإنسان واختباره لعبده، فوهب له جميع ما يشتهيه ثم كلفه مع