قوله (يناشدانك القطيعة) أي يسألانك بقطية الرحم ويقسمان عليك بها ويطلبان إليك بحقها وكل من نشد وناشد يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء وبنفسه وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا: نشدتك الله وبالله وناشدتك الله وبالله كما دعوت زيدا وبزيد أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت، والعجب أنهما قطعا رحم الإسلام ورحم القرابة لأغراض باطلة دنيوية ثم نسباه تمويها إليه (عليه السلام).
قوله (أما تعلم أنا تركنا الناس) إشارة إلى عدم بيعتهما مع الخلفاء الثلاثة إنكارا عليهم وادعاء بأن عليا (عليه السلام) أولى بالخلافة منهم ولما مات الثالث بادرا إلى البيعة مع علي (عليه السلام) ثم نقضا بيعتهما لأغراض نذكر بعضها بعيد ذلك.
قوله (فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا وقطعت رجاءنا) المنال محل النول وهو العطية والخراج، وقد يطلق عليه مجازا، وقولهما: ضيعت حرمتنا إشارة إلى ما فعله (عليه السلام) في تقسيم الخراج حيث قسم في بدء الخلافة الموجود من بيت المال على المسلمين بأن أعطى كل واحد منهم الشريف والوضيع ثلاثة دنانير ولم يفضلهما على غيرهما، ثم قسم بعد ذلك ما جمع في أيام قلائل على نحو ذلك حتى أخذ عمار بيد غلام له فقال: يا أمير المؤمنين هذا كان عبدا لي وقد أعتقته فأعطاه مثل ما أعطى عمارا أو غيره فثقل ذلك على طبعهما الخسيس، وقولهما: قطعت رجاءنا إشارة إلى ما نقل من أنهما قالا لأمير المؤمنين (عليه السلام): قد علمت جفوة عثمان لنا وميله إلى بني أمية مدة خلافته وطلبا منه أن يوليهما الكوفة والبصرة فمنعهما فسخطا وفعلا ما فعلا من نقض بيعتهما واخراجهما عائشة إلى البصرة وإغواء الخلق وإيقاد نار الحرب وكانا يلبسان على على أهل البصرة وغيرهم ويقولان: نحن نطلب منهم دم عثمان فإنه قتل ظلما، والحال أنهما كانا من جملة قاتليه وخافا من أن يطلبا بدمه إليه، أشار أمير المؤمنين (عليه السلام): والله ما أستعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنة، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه فأراد أن يغالط فيه بما أجلب فيه ليلتبس الأمر ويقع الشك، انتهى كلامه (عليه السلام) وهو إشارة إلى ما نقلوا من أن طلحة حرض الناس على قتل عثمان وجمعهم في داره.
ونقلوا أنه منع الناس ثلاثة أيام من دفنه وأن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم استنجدا به (عليه السلام) في دفنه فأقعد لهم طلحة في الطريق اناسا يرميهم بالحجارة فخرج به نفر من أهله يريدون به حائطا في المدينة يعرف بحش كوكب وكانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما صار هناك رجم سريره فهموا بطرحه، فأرسل إليهم علي (عليه السلام) فكفهم عنه حتى دفن بحش كوكب، ونقلوا أنه جادل في دفنه بمقابر المسلمين وقال: إنه ينبغي أن يدفن بدير سلع يعني مقابر اليهود، وبالجملة فهو كما قال (عليه السلام): لم يكن