قوله (فإن كنتما صادقين) هذا الذي ذكره (عليه السلام) لا مفر لهما بالجواب عنه، والفرق بين التقديرين أنهما على الثاني لم يؤمنا أصلا وعلى الأول آمنا ثم كفرا، وليس لهما على التقدير الأول نسبة المفارقة عن كتاب الله والخروج عن الدين إليه (عليه السلام) لاعترافهما بأنه على الدين حيث قالا: أن أخويك في الدين، حيث جعلاه أصلا فيه وادعيا أنهما أخويه (؟) فيه.
قوله (وأما مفارقتكما الناس) أي لأجلي كما يدل عليه قولهما «أما تعلم أنا تركنا الناس لك وخالفنا عشائرنا فيك» وقوله (عليه السلام): فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا، فعلى هذا ليس لهما أن يقولا: نحن نختار الشق الأول ونقول إنا فارقناهم بحق والحق لغيرك فلا يلزم من فراقنا إياك نقضنا ذلك الحق.
قوله (فإن كنتما فارقتماهم بحق) هذا أيضا ظاهر الورود عليهما ولا مفر لهما بالجواب عنه ولا فرق بين التقديرين في أنه يلزمهما مفارقة الحق إلا أن الحق في الأول علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي الثاني من سبقه، ثم هذا على سبيل الإلزام وإلا فالواقع هو الشق الأول والحق هو (عليه السلام).
قوله (مع الحدث الذي أحدثتما) وهو إخراج زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله) وإحداث الفتنة بين المسلمين والخروج على الإمام العادل فلزمكما الإثم من وجهين.
قوله (مع ان صفتكما بمفارقتكما الناس لم يكن إلا لطمع الدنيا زعمتما) كذبهما فيما ادعيا من أن مفارقتنا الناس كانت لأجل أن الحق لك، بأن مفارقتكما إنما كانت لطمع الدنيا، والدليل على ذلك قولكما: فقطعت رجاءنا، ورجاؤكما كان في زهرات الدنيا وهذا يؤيد ما ذكره بعض الأكابر وأشرنا إليه سابقا من أنهما كانا يؤملان الأمر لأنفسهما فلما صار الأمر إلى علي (عليه السلام) عادا إلى رجاء أن يدخلهما في أمره ويرفعهما في العطاء على غيرهما ويشاركهما في الآراء محبة منهما للجاه، وبالجملة كلامهما أيضا مشتمل على التناقض لدلالة أوله على أن المفارقة كانت لطلب الحق ودلالة آخره على أنها كانت لطمع الدنيا ورجائها.
قوله (وأما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق) يعني أن الصارف هو الله تعالى فلا تقولا بعدما عرفتما أنه الصارف هو أقل نفعا وأضعف دفعا منكما فإن قلتما ذلك تستحقا اسم الشرك مع النفاق وفيه دلالة على أنهما بقولهما ذلك سابقا لم يستحقا اسم الشرك بناء على أن الجاهل معذور، لا يقال: نسبة صرفهما عن الحق إلى الله تعالى إنما يتم على مذهب الجبرية، لأنا نقول: صرفهما من فعلهما أو فعل الشيطان لكن صدوره عنهما لما كان بإقداره تعالى نسب إليه مجازا من باب نسبة الفعل إلى السبب البعيد، أو نقول: لما تمكن الصرف عن الحق في قلبهما بحيث لم يمكن رفعه عنه إلا بالقسر ثم لم يقسر رعاية لغرض التكليف عبر عن ترك القسر بالصرف