الأخيرتين؟ قيل: للفرق بين ما فرض الله عز وجل من عنده وما فرضه من عند رسوله.
فإن قال: فلم جعل الجماعة؟ قيل: لئلا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا، لان في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله وحده عز وجل وليكون المنافق والمستخف مؤديا لما أقر به بظاهر الاسلام والمراقبة وليكون شهادات الناس بالاسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزبد عن كثير من معاصي الله عز وجل.
فإن قال: فلم جعل الجهر في بعض الصلاة ويجعل في بعض؟ قيل: لأن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي صلاة تصلى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها لأن يمر المار فيعلم أن هيهنا جماعة، فإذا أراد أن يصلي صلى، ولأنه إن لم ير جماعة تصلي سمع وعلم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فإنما هما بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع.
فإن قال: فلم جعل الصلاة هذه الأوقات ولم تقدم ولم تؤخر؟ قيل : لأن الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض، فيعرفها الجاهل والعالم أربعة غروب الشمس معروف مشهور يجب عنده المغرب وسقوط الشفق مشهور معلوم يجب عنده العشاء الآخرة وطلوع الفجر مشهور معلوم يجب عنده الغداد وزوال الشمس مشهور معلوم يجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها.
وعلة أخرى أن الله عز وجل أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعته وعبادته فأمرهم أول النهار أن يبدؤا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم، فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدؤا أولا بذكره وعبادته، فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم وأرادوا الانتشار في العمل لاخر