ثم قال (ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس الا انه يوافق حديث أبي رجاء العطاردي الموصول عن ابن عباس فهو أولى أن يكون صحيحا وما شك فيه الراوي ولا شاهد له فلا اعتداد به) - قلت - قد ذكر في الباب الذي قبل هذا ان الصحيح من حديث أبي رجاء انه موقوف وظاهر كلامه هنا انه مرفوع وليس فيه ولا في رواية ابن سيرين تصريح بذكر البر لأنهما قالا صاعا من طعام وقد تقدم انه يطلق على غير البر أيضا فكان الاخذ بحديث الحسن عن ابن عباس أولى لتصريحه بذكر القمح وهو وإن كان مرسلا فقد تأيد بما أخرجه البيهقي بعد في باب وجوب الفطر على أهل البادية من حديث عطاء عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم وفيه مدان من قمح وبما أخرجه ابن أبي شيبة فقال ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال الصدقة صاع من تمر أو نصف صاع من طعام - وأراد به هاهنا البر إذ الواجب في غيره صاع ولم يذكر نصف صاع الا في البر وهذا السند على شرط الصحيح ما خلا حجاجا وأظنه ابن أرطأة وهو وان تكلم فيه فقد وثقه جماعة واخرج له مسلم مقرونا بغيره فيصلح للاستشهاد به وتأيد أيضا بعدة مسانيد وبمرسل ابن المسيب الآتي بعد وغيره من المراسيل الكثيرة المشهورة التي جاءت من طريق فقهاء المدينة وبأقوال جماعة من الصحابة والتابعين وبما ذكرنا من الأحاديث الدالة على اتفاق الناس على ذلك ولم أدر ما معنى قول البيهقي وما شك فيه الراوي فان أراد به ما في حديث ابن عباس من قوله أو صاع شعير أو نصف صاع قمح فهذا تخيير وليس بشك وقد ورد حديث ابن عمر والخدري وغيرهما في الكتب الصحيحة بلفظ أو ولم يفهم أحد ان ذلك شك من الراوي وقوله ولا شاهد له ليس كذلك بل له عدة شواهد تقدم كثير منها وسيأتي بعضها إن شاء الله تعالى ومن تتبع الكتب وجدها مشحونة بذلك ثم ذكر البيهقي مرسل ابن المسيب (فرض عليه السلام زكاة الفطر مدين من حنطة) ثم قال (قال الشافعي خطأ) - قلت - الشافعي يقبل مراسيل ابن المسيب قال لأنها عن الثقات وانه وجد ما يدل على تسديدها وقال ابن الصلاح لأنها وجدت مسانيد ومرسلة هذا نص البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني ان اسناده صحيح فكيف رده الشافعي وزعم أنه خطأ مع أنه اعتضد بما ذكرنا واخرج الدارقطني نحوه من طريقين من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن طريقين من حديث ابن عباس ومن طريقين من حديث ابن عمر في أحدهما مدان من حنطة وفي الآخر نصف صاع من حنطة وأخرجه من حديث علي مرفوعا نصف صاع من بر ومن حديث عصمة بن مالك مرفوعا مدان من قمح وأخرجه البيهقي في هذا الباب من حديث ابن أبي صعير وابن عمر وأخرج أحمد في مسنده والطحاوي في شرح الآثار من ثلاث طرق من حديث ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح بالمد الذي تقتاتون به - وفي التمهيد روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس على اختلاف عنه وأبي هريرة
(١٦٩)