على إباحة الاكل بل خرجت للفصل بين الاصطياد في البحر وبين الاصطياد في البر للمحرم والمراد من قول النبي عليه الصلاة والسلام والحل ميتة السمك خاصة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان السمك والجراد والدمان الكبد والطحال فسر عليه الصلاة والسلام بالسمك والجراد فدل ان المراد منها السمك ويحمل الحديث على السمك وتخصيصه بما تلونا من الآية وروينا من الخبر (وأما) المسألة الثانية وهي مسألة الطافي فالشافعي رحمه الله احتج بقوله تعالى وطعامه متاعا لكم معطوفا على قوله أحل لكم صيد البحر أي أحل لكم طعامه وهذا يتناول ما صيد منه وما لم يصد والطافي لم يصد فيتناوله بقوله عليه الصلاة والسلام في صفة البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته وأحق ما يتناوله اسم الميتة الطافي لأنه الميت حقيقة وبقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان السمك والجراد فسر النبي عليه الصلاة والسلام الميتة بالسمك من غير فصل بين الطافي وغيره ولنا ما روى عن جابر ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن أكل الطافي وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال لا تبيعوا في أسواقنا الطافي وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما دسره البحر فكله وما وجدته يطفو على الماء فلا تأكله واما الآية فلا حجة له فيها لان المراد من قوله تعالى وطعامه ما قدفه البحر إلى الشط فمات كذا قال أهل التأويل وذلك حلال عندنا لأنه ليس بطاف إنما الطافي اسم لما مات في الماء من غير آفة وسبب حادث وهذا مات بسبب حادث وهو قذف البحر فلا يكون طافيا والمراد من الحديثين غير الطافي لما ذكرنا ثم السمك الطافي الذي لا يحل أكله عندنا هو الذي يموت في الماء حتف أنفه بغير سبب حادث منه سواء علا على وجه الماء أو لم يعل بعد أن مات في الماء حتف أنفه من غير سبب حادث وقال بعض مشايخنا هو الذي يموت في الماء بسبب حادث ويعلو على وجه الماء فإن لم يعل يحل والصحيح هو الحد الأول وتسميته طافيا لعلوه على وجه الماء عادة وروى هشام عن محمد رحمهما الله في السمك إذا كان بعضها في الماء وبعضها على الأرض إن كان رأسها على الأرض أكلت وإن كان رأسها أو أكثره في الماء لم تؤكل لان رأسها موضع نفسها فإذا كان خارجا من الماء فالظاهر أنه مات بسبب حادث وإذا كان في الماء أو أكثره فالظاهر أنه مات في الماء بغير سبب وقالوا في سمكة ابتلعت سمكة أخرى انها تؤكل لأنها ماتت بسبب حادث ولو مات من الحر والبرد وكدر الماء ففيه روايتان في رواية لا يؤكل لان الحر والبرد وكدر الماء ليس من أسباب الموت ظاهرا فلم يوجد الموت بسبب حادث يوجب الموت ظاهرا وغالبا فلا يؤكل وفى رواية يؤكل لأن هذه أسباب الموت في الجملة فقد وجد الموت بسبب حادث فلم يكن طافيا فيؤكل ويستوى في حل الاكل جميع أنواع السمك من الجريث والمار ما هي وغيرهما لان ما ذكرنا من الدلائل في إباحة السمك لا يفصل بين سمك وسمك الا ما خص بدليل وقد روى عن سيدنا على وابن عباس رضي الله عنهما إباحة الجريث والسمك الذكر ولم ينقل عن غيرهما خلاف ذلك فيكون اجماعا (أما) الذي يعيش في البر فأنواع ثلاثة ما ليس له دم أصلا وما ليس له دم سائل وما له دم سائل مثل الجراد والزنبور والذباب والعنكبوت والعضابة والخنفساء والبغاثة والعقرب ونحوها لا يحل أكله الا الجراد خاصة لأنها من الخبائث لاستبعاد الطباع السليمة إياها وقد قال الله تبارك وتعالى ويحرم عليهم الخبائث الا أن الجراد خص من هذه الجملة بقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان فبقي على ظاهر العموم وكذلك ما ليس له دم سائل مثل الحية والوزغ وسام أبرص وجميع الحشرات وهو أم الأرض من الفأر والقراد والقنافذ والضب واليربوع وابن عرس ونحوها والاختلاف في حرمة هذه الأشياء الا في الضب فإنه حلال عند الشافعي واحتج بما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أكلت على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم ضب وعن ابن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه فلا آكله ولا أحرمه وهذا نص على عدم الحرمة الشرعية وإشارة إلى الكراهة الطبيعية (ولنا) قوله تبارك وتعالى ويحرم عليهم الخبائث والضب من الخبائث وروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها ان النبي عليه الصلاة والسلام
(٣٦)