ولهذا حرمت الميتة لان المحرم وهو الدم المسفوح فيها قائم ولذا لا يطيب معه قيامه ولهذا يفسد في أدنى مدة ما يفسد في مثلها المذبوح وكذا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة لما قلنا والذبح هو فرى الأوداج ومحله ما بين اللبة واللحيين لقول النبي عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحية أي محل الذكاة ما بين اللبة واللحيين وروى الذكاة في الحلق واللبة والنحر فرى الأوداج ومحله آخر الحلق ولو نحر ما يذبح وذبح ما ينحر يحل لوجود فرى الأوداج ولكنه يكره لان السنة في الإبل النحر وفى غيرها الذبح ألا ترى ان الله تعالى ذكر في الإبل النحر وفى البقر والغنم الذبح فقال سبحانه وتعالى فصل لربك وانحر قيل في التأويل أي انحر الجزور وقال الله عز شأنه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة وقال تعالى وفديناه بذبح عظيم والذبح بمعنى المذبوح كالطحن بمعنى المطحون وهو الكبش الذي فدى به سيدنا إسماعيل أو سيدنا إسحاق صلوات الله عليهما على اختلاف أصل القصة في ذلك وكذا النبي عليه الصلاة والسلام نحر الإبل وذبح البقر والغنم فدل أن ذلك هو السنة وذكر محمد رحمه الله في الأصل وقال بلغنا ان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم كانوا ينحرون الإبل قياما معقولة اليد اليسرى فدل ذلك على أن النحر في الإبل هو السنة لان الأصل في الذكاة إنما هو الأسهل على الحيوان وما فيه نوع راحة له فيه فهو أفضل لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام قال إن الله تعالى كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته والأسهل في الإبل النحر لخلو لبتها عن اللحم واجتماع اللحم فيما سواه من خلفها والبقر والغنم جميع حلقها لا يختلف فان قيل أليس انه روى عن جابر رضي الله عنه أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة أي ونحرنا البقرة عن سبعة لأنه معطوف على الأول فكان خبر الأول خبرا للثاني كقولنا جاءني زيد وعمرو فالجواب ان الذبح مضمر فيه ومعناه وذبحنا البقرة على عادة العرب في الشئ إذا عطف على غيره وخبر المعطوف عليه لا يحتمل الوجود في المعطوف أو لا يوجد عادة أن يضمر المعارف المعتاد كما قال الشاعر ولقيت زوجك في الوغى * متقلدا سيفا ورمحا أي متقلدا سيفا ومعتقلا رمحا وقال آخر * علفتها تبنا وماء باردا * أي علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا لان الرمح لا يحتمل التقلد أو لا يتقلد عادة والماء لا يعلف بل يسقى كذا ههنا الذبح في البقر هو المعتاد فيضمر فيه فصار كأنه قال نحرنا البدنة وذبحنا البقرة وهذا الذي ذكرنا قول عامة العلماء رضى الله تعالى عنهم وقال مالك رحمه الله إذا ذبح البدنة لا تحل لان الله تبارك وتعالى أمر في البدنة بالنحر بقوله عز شأنه فصل لربك وانحر فإذا ذبح فقد ترك المأمور به فحلا يحل ولنا ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ما أنهر الدم وفرى الأوداج فكل وبه تبين ان الامر بالنحر في البدنة ليس لعينه بل لأنهار الدم وافراء الأوداج وقد وجد ذلك ولا بأس في الحلق كله أسفله أو أوسطه أو أعلاه لقوله عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحيين وقوله عليه الصلاة والسلام الذكاة في الحلق واللبة من غير فصل ولان المقصود اخراج الدم المسفوح وتطييب اللحم وذلك يحصل بقطع الأوداج في الحلق كله ثم الأوداج أربعة الحلقوم والمرئ والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمرئ فإذا فرى ذلك كله فقد أتى بالذكاة بكمالها وسننها وان فرى البعض دون البعض فعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا قطع أكثر الأوداج وهو ثلاثة منها أي ثلاثة كانت وترك واحدا يحل وقال أبو يوسف رحمه الله لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمرئ وأحد العرقين وقال محمد رحمه الله لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره وقال الشافعي رحمه الله إذا قطع الحلقوم والمرئ حل إذا استوعب قطعهما (وجه) قول الشافعي رضي الله عنه ان الذبح إزالة الحياة والحياة لا تبقى بعد قطع الحلقوم والمرئ عادة وقد تبقى بعد قطع الودجين إذ هما عرقان كسائر العروق والحياة تبقى بعد قطع عرقين من سائر العروق (ولنا) ان المقصود من الذبح إزالة المحرم وهو الدم المسفوح ولا يحصل الا بقطع الودج (وجه) قول محمد عليه الرحمة انه إذا قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة فقد حصل المقصود بالذبح وهو خروج الدم لأنه يخرج ما يخرج
(٤١)