توفيقا بين الدلائل لان دلائل الله عز وجل لا تتناقض وأما الآية الثانية فالفصال في عامين لا ينفي الفصال في أكثر من عامين كما لا ينفيه في أقل من عامين عن تراض منهما وتشاور فكان هذا استدلالا بالسكوت كقوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا الآية أنه لا يمنع جواز الكتابة إذا لم يعلم فيهم خيرا وأما الآية الثالثة فتحتمل ما ذكرتم ان المراد من الحمل هو الحمل بالبطن والفصال هو الفطام فيقتضى أن تكون مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل ستة أشهر كما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وتحتمل أن يكون المراد من الحمل الحمل باليد والحجر فيقتضى أن يكون الثلاثون مدة الحمل والفصال جميعا لأنه يحمل باليد والحجر في هذه المدة غالبا لا أن يكون بعض هذه مدة الحمل وبعضها مدة الفصال لان إضافة السنتين إلى الوقت لا تقتضي قسمة الوقت عليهما بل تقتضي أن يكون جميع ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما كقول القائل صومك وزكاتك في شهر رمضان هذا لا يقتضى قسمة الشهر عليهما بل يقتضى كون الشهر كله وقتا لكل واحد منهما فيقتضى أن يكون ثلاثون شهرا مدة الرضاع كما هو مذهب أبي حنيفة فلا يكون حجة مع الاحتمال على أنه ان وقع التعارض بين الآيات ظاهرا لكن ما تلونا حاظر وما تلوتم مبيح والعمل بالحاظر أولى احتياطا وأما الحديث فالمشهور لا رضاع بعد فصال ونحن نقول بموجبه فجائز أن يكون أصل الحديث هذا وأن من ذكر الحولين حمله على المعنى عنده ولو ثبت هذا اللفظ فيحتمل أن يكون معناه الارضاع على الأب بعد الحولين أي في حق وجوب الاجر عليه على ما ذكرنا من تأويل الآية أو يحمل على هذا عملا بالدلائل كلها والله الموفق ثم الرضاع يحرم في المدة على اختلافهم فيها سواء فطم في المدة أو لم يفطم هذا جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا حتى لو فصل الرضيع في مدة الرضاع ثم سقى بعد ذلك في المدة كان ذلك رضاعا محرما ولا يعتبر الفطام وإنما يعتبر الوقت فيحرم عند أبي حنيفة ما كان في السنتين ونصف وعندهما ما كان في السنتين لان الرضاع في وقته عرف محرما في الشرع لما ذكرنا من الدلائل من غير فصل بين ما إذا أفطم أو لم يفطم وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال إذا فطم في السنتين حتى استغنى بالفطام ثم ارتضع بعد ذلك في السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا لأنه لا رضاع بعد الفطام وان هي فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغنى به عن الرضاع ثم عاد فأرضع كما يرضع أولا في الثلاثين شهرا فهو رضاع محرم كما يحرم رضاع الصغير الذي لم يفطم ويحتمل أن تكون رواية الحسن تفسيرا لظاهر قول أصحابنا وهو ان الرضاع في المدة بعد الفطام إنما يكون رضاعا محرما إذا لم يكن الفطام تاما بأن كان لا يستغنى بالطعام عن الرضاع فان استغنى لا يحرم بالاجماع ويحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد الفصال على الفصال المتعارف المعتاد وهو الفصال التام المغنى عن الرضاع ويستوى في الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضي الله عنهما ان قليل الرضاع لا يحرم وبه أخذ الشافعي فقال لا يحرم الا خمس رضعات متفرقات واحتج بما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما نزل عشر رضعات يحرم ثم صرن إلى خمس فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحرم المصة والمصتان ولا الاملاجة والاملاجتان ولان الحرمة بالرضاع لكونه منبتا للحم منشرا للعظم وهذا المعني لا يحصل بالقليل منه فلا يكون القليل محرما ولنا قوله عز وجل وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة مطلقا عن القدر وروى عن علي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا قليل الرضاع وكثيره سواء وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال الرضعة الواحدة تحرم وروى أنه لما بلغه أن عبد الله بن الزبير يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير وتلي قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وروى أنه لما بلغه أن عائشة رضي الله عنها تقول لا تحرم المصة والمصتان فقال حكم الله تعالى أولى وخير من حكمها وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل إنه لم يثبت عنها وهو الظاهر فإنه روى أنها قالت توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى في القرآن فما إلى نسخه ولا نسخ بعد وفاة لنبي صلى الله عليه وسلم ولا
(٧)