لا يختلف وكذا شرط الوجوب ويجبان على الموسر والمعسر لان دليل الوجوب لا يفصل والله أعلم وكل امرأة لها النفقة لها السكنى لقوله عز وجل أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم ولأنهما استويا في سبب الوجوب وشرطه وهو ما ذكرنا فيستويان في الوجوب ويستوى في وجوبهما أصل الموسر والمعسر لان دلائل الوجوب لا توجب الفصل وإنما يختلفان في مقدار الواجب منهما وسنبينه إن شاء الله تعالى في موضعه ولو أراد الزوج ان يسكنها مع ضرتها أو مع احمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك عليه ان يسكنها في منزل مفرد لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة واباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا إنها ليس لها ان تطالبه ببيت آخر ولو كانت في منزل الزوج وليس معها أحد يساكنها فشكت إلى القاضي ان الزوج يضربها ويؤذيها سأل القاضي جيرانها فان أخبروا بما قالت وهم قوم صالحون فالقاضي يؤدبه ويأمره بان يحسن إليها ويأمر جيرانه ان يتفصحوا عنها وان لم يكن الجيران قوما صالحين أمره القاضي ان يحولها إلى جيران صالحين فان أخبروا القاضي بخلاف ما قالت أقرها هناك ولم يحولها وللزوج ان يمنع أباها وأمها وولدها من غيره ومحارمها من الدخول عليها لان المنزل منزله فكان له ان يمنع من شاء وليس له ان يمنعهم من النظر إليها وكلامها خارج المنزل لان ذلك ليس بحق له الا أن يكون في ذلك فتنة بان يخاف عليها الفساد فله ان يمنعهم من ذلك أيضا (فصل) وأما بيان مقدار الواجب منها فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما في بيان ما تقدر به هذه النفقة والثاني في بيان من تقدر به اما الأول فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا هذه النفقة غير مقدرة بنفسها بكفايتها وقال الشافعي مقدرة بنفسها على الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى المعسر نصف مد واحتج بظاهر قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته أي قدر سعته فدل انها مقدرة ولأنه اطعام واجب فيجب أن يكون مقدرا كالاطعام في الكفارات ولأنها وجبت بدلا لأنها تجب بمقابلة الملك عندي ومقابلة الحبس عندكم فكانت مقدرة كالثمن في البيع والمهر في النكاح ولنا قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف مطلقا عن التقدير فمن قدر فقد خالف النص ولأنه أوجبها باسم الرزق ورزق الانسان كفايته في العرف والعادة كرزق القاضي والمضارب وروى أن هند امرأة أبي سفيان قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وانه لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال صلى الله عليه وسلم خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف نص عليه أفضل الصلاة والسلام على الكفاية فدل ان نفقة الزوجة مقدرة بالكفاية ولأنها وجبت بكونها محبوسة بحق الزوج ممنوعة عن الكسب لحقه فكان وجوبها بطريق الكفاية كنفقة القاضي والمضارب وأما الآية فهي حجة عليه لان فيها أمر الذي عنده السعة بالانفاق على قدر السعة مطلقا عن التقدير بالوزن فكان التقدير به تقييد المطلق فلا يجوز الا بدليل وقوله إنه اطعام واجب يبطل بنفقة الأقارب فإنه اطعام واجب وهي غير مقدرة بنفسها بل بالكفاية والتقدير بالوزن في الكفارات ليس لكونها نفقة واجبة بل لكونها عبادة محضة لوجوبها على وجه الصدقة كالزكاة فكانت مقدرة بنفسها كالزكاة ووجوب هذه النفقة ليس على وجه الصدقة بل على وجه الكفاية فتتقدر بكفايتها كنفقة الأقارب وأما قوله إنها وجبت بدلا ممنوع ولسنا نقول إنها تجب مقابلة الحبس بل تجب جزاء على الحبس ولا يجوز أن تكون واجبة بمقابلة ملك النكاح لما ذكرنا وإذا كان وجوبها على سبل الكفاية فيجب على الزوج من النفقة قدر ما يكفيها من الطعام والإدام والدهن لان الخبز لا يؤكل عادة الا مأدوما والدهن لابد منه للنساء ولا تقدر نفقتها بالدراهم والدنانير على أي سعر كانت لان فيه اضرارا بأحد الزوجين إذ السعر قد يغلو وقد يرخص بل تقدر لها على حسب اختلاف الأسعار غلاء ورخصا رعاية للجانبين ويجب عليه من الكسوة في كل سنة مرتين صيفية وشتوية لأنها كما تحتاج إلى الطعام والشراب تحتاج إلى اللباس
(٢٣)