الحمال بل هو في يده قال وان حمله إلى بيت صاحبه ثم أنزله الحمال من رأسه وصاحب الزق فوقع من أيديهما فالحمال ضامن وهو قول محمد الأول ثم رجع وقال لا ضمان عليه لأبي يوسف ان المحمول داخل في ضمان الحمالة بثبوت يده عليه فلا يبرأ الا بالتسليم إلى صاحبه فإذا أخطئا جميعا فيد الحمال لم تزل فلا يزول الضمان ولمحمد ان الشئ قد وصل إلى صاحبه بانزاله فخرج من أن يكون مضمونا كما لو حملاه ابتداء إلى رأس الحمال فهلك وروى هشام عن محمد فيمن دفع إلى رجل مصحفا يعمل فيه ودفع الغلاف معه أو دفع سيفا إلى صيقل يصقله باجر ودفع الجفن معه فضاعا قال محمد يضمن المصحف والغلاف والسيف والجفن لان المصحف لا يستغنى عن الغلاف والسيف لا يستغنى عن الجفن فصارا كشئ واحد قال فان أعطاه مصحفا يعمل له غلافا أو سكينا يعمل له نصالا فضاع المصحف أو ضاع السكين لم يضمن لأنه لم يستأجره على أن يعمل فيهما بل في غيرهما ولو اختلف الأجير وصاحب الثوب فقال الأجير رددت وأنكر صاحبه فالقول قول الأجير في قول أبي حنيفة لأنه أمين عنده في القبض والقول قول الأمين مع اليمين ولكن لا يصدق في دعوى الاجر وعندهما القول قول صاحب الثوب لان الثوب قد دخل في ضمانه عندهما فلا يصدق على الرد الا ببينة وإن كان الأجير خاصا فما في يده يكون أمانة في قولهم جميعا حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا يضمن أما على أصل أبي حنيفة فلانه لم يوجد منه صنع يصلح سببا لوجوب الضمان لان القبض حصل بإذن المالك وأما على أصلهما فلان وجوب الضمان في الأجير المشترك ثبت استحسانا صيانة لأموال الناس ولا حاجة إلى ذلك في الأجير الخاص لان الغالب انه يسلم نفسه ولا يتسلم المال فلا يمكنه الخيانة والله عز وجل أعلم وأما الثاني وهو بيان ما يغيره من صفة الأمانة إلى الضمان فالمغير له أشياء منها ترك الحفظ لان الأجير لما قبض المستأجر فيه فقد التزم حفظه وترك الحفظ الملتزم سبب لوجوب الضمان كالمودع إذا ترك حفظ الوديعة حتى ضاعت على ما نذكره في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى ومنها الاتلاف والافساد إذا كان الأجير متعديا فيه بان تعمد ذلك أو عنف في الدق سواء كان مشتركا أو خاصا وان لم يكن متعديا في الافساد بأن أفسد الثوب خطأ بعمله من غير قصده فإن كان الأجير خاصا لم يضمن بالاجماع وإن كان مشتركا كالقصار إذا دق الثوب فتخرق أو ألقاه في النورة فاحترق أو الملاح غرقت السفينة من عمله ونحو ذلك فإنه يضمن في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يضمن وهو أحد قولي الشافعي وجه قول زفر ان الفساد حصل بعمل مأذون فيه فلا يجب الضمان كالأجير الخاص والمعين والدليل على أنه حصل بعمل مأذون فيه انه حصل بالدق والدق مأذون فيه ولئن لم يكن مأذونا فيه لكن لا يمكنه التحرز عن هذا النوع من الفساد لأنه ليس في وسعه الدق المصلح فأشبه الحجام والبزاغ ولئن كان ذلك في وسعه لكنه لا يمكنه تحصيله الا بحرج والحرج منفى فكان ملحقا بما ليس في الوسع ولنا ان المأذون فيه الدق المصلح لا المفسد لان العاقل لا يرضى بافساد ماله ولا يلتزم الأجرة بمقابلة ذلك فيتقيد الامر بالمصلح دلالة وقوله لا يمكنه التحرز عن الفساد ممنوع بل في وسعه ذلك بالاجتهاد في ذلك وهو بذل المجهود في النظر في آلة الدق ومحله وارسال المدقة على المحل على قدر ما يحتمله مع الحذاقة في العمل والمهارة في الصنعة وعند مراعاة هذه الشرائط لا يحصل الفساد فلما حصل دل انه قصر كما نقول في الاجتهاد في أمور الدين الا أن الخطأ في حقوق العباد ليس بعذر حتى يؤاخذ الخاطئ بالضمان وقوله لا يمكنه التحرز عن الفساد الا بحرج مسلم لكن الحرج إنما يؤثر في حقوق الله عز وجل بالاسقاط لا في حقوق العباد وبهذا فارق الحجام والبزاغ لان السلامة والسراية هناك مبينة على قوة الطبيعة وضعفها ولا يوقف على ذلك بالاجتهاد فلم يكن في وسعه الاحتراز عن السراية فلا يتقيد العقد بشرط السلامة وأما الأجير الخاص فهناك وان وقع عمله افسادا حقيقة الا أن عمله يلتحق بالعدم شرعا لأنه لا يستحق الأجرة بعمله بل بتسليم نفسه إليه في المدة فكأنه لم يعمل وعلى هذا الخلاف الحمال إذا زلقت رجله في الطريق أو عثر فسقط وفسد حمله ولو زحمه الناس حتى فسد لم يضمن بالاجماع لأنه لا يمكنه حفظ نفسه عن ذلك فكان بمعنى الحرق الغالب والغرق الغالب ولو كان الحمال هو الذي زاحم الناس
(٢١١)