مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
تفاحش وجب القطع وكأنه رأى أن البناء رخصة و ذلك يؤذن بالطلب وإن تفاحش انتهى.
قلت: لا ينبغي أن يحمل كلام ابن هارون على البناء ولو تفاحش البعد فإنه مخالف لنصوص المذهب، وأيضا فوجه البطلان ظاهر وهو كثرة المنافي فتأمله والله أعلم.
فرع: إذا رعف المتيمم في الصلاة ووجد ما يغسل به الدم فإنه يغسله ويبني ولا يبطل تيممه، لأنه دخل في الصلاة بشروطها فلا يبطلها طرو الماء. قاله صاحب الجمع في آخر الكلام على الرعاف والله أعلم. وقال في الطراز: من افتتح الصلاة بالتيمم ثم صب المطر أو جاء الماء بعد ذلك لم يبطل تيممه، فإن رعف غسل الدم ولم تبطل صلاته، فإن كان ممن يرجح قطع الصلاة بالرعاف، فلما قطع كان ما وجده من الماء بقدر ما غسل الدم فقط، فهل يبطل تيممه أم لا وهو مذهب الشافعي وذلك لأمرين: أحدهما أنه لما اشتغل بطهارة النجس قطع اتصال تيممه بالصلاة.
والثاني أنه لما وجد الماء اليسير وجب عليه أن يبحث عنه وعن سببه، فلعله يقدر على زيادة، ووجوب الطلب يبطل تيممه حتى يتحقق عدم الماء. وقوله: ويستدبر قبلة بلا عذر وهذا هو الشرط الثالث وهو أن لا يستدبر القبلة من غير عذر، فإن استدبرها من غير عذر بطلت صلاته.
قال اللخمي: وإذا استدبر الراعف القبلة لطلبه الماء لم تبطل صلاته. وقال في الطراز: إن أمكنه طلب الماء وهو مستقبل القبلة فلا يستدبرها للضرورة فلا شئ عليه انتهى. وقال في الذخيرة: ولا يشترط استقبال القبلة. قاله اللخمي وصاحب الطراز انتهى. ويريد إذا كان ذلك لضرورة كما قالوا ونحوه قول ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر كلامه المدونة أنه لا يشترط في غسل الدم للبناء أن يكون مسيره لجهة القبلة وهو كذلك انتهى. وقد علم من كلامهم أن الضرورة هو كون الماء في غير جهة القبلة وهو القدر الذي أراده المصنف بقوله: بلا عذر. وقال ابن غازي:
قوله: ويستدبر قبلة بلا عذر كذا صرح به ابن العربي وهو المفهوم من كلام اللخمي وسند.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام ابن غازي أن ما قاله ابن العربي موافق لكلام المصنف، والذي نقله ابن فرحون وصاحب الجمع عنه خلاف ذلك. قال ابن فرحون: المعروف من المذهب أنه يخرج كيفما أمكنه سواء استدبر القبلة في خروجه أو لا، إلا أنه يستحب له المحافظة على استقبال القبلة ما أمكنه. قاله القاضي عبد الوهاب. وقال القاضي أبو بكر: لا يخرج إلا بشرط أن لا يستدبر القبلة. وهو قول بعيد لم يعول عليه أحد من الشيوخ لعدم تمكنه من ذلك غالبا، ونحوه لصاحب الجمع وزاد في آخره فلا يلتفت إليه.
الثاني: ما ذكره ابن فرحون وصاحب الجمع أوله موافق لكلام المصنف وما تقدم، وقوله:
إلا أنه يستحب له مخالف فتأمله. وقال الشبيبي في شرح الرسالة بعد أن ذكر كلام اللخمي وخالفه غيره في ذلك وقال بالبطلان.
الثالث: إذا وجد ماء قريبا لكنه يستدبر القبلة إذا خرج إليه وفي جهة القبلة ماء أبعد
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست