مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ١٣١
لأمر يريده فإن كان قريبا كفتهم تلك الإقامة، وإن بعد أعاد الإقامة. وقال في المختصر: وإذا أقام فتأخر الامام قليلا أجزأه، فإن تباعد أعاد الإقامة انتهى. فتحصل من هذا أن اتصال الإقامة بالصلاة سنة، وأن الفصل اليسير لا يضر والكثير يبطل الإقامة. وسيأتي في التنبيه الثامن عشر أنه يستحب للامام أن ينتظر بالاحرام بعد الإقامة قدر ما تسوى الصفوف. فهذا الفصل مستحب فلا بد أن يكون التأخير اليسير المغتفر فوقه، وسيأتي في التنبيه الثاني عشر أنه كان (ص) يناجي الرجل طويلا بعد الإقامة والله أعلم.
الخامس: قال في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم: وسئل مالك عن الذي يكون في المسجد فتقام الصلاة، أيقيم الصلاة في نفسه؟ قال: لا قيل له: فإن فعل؟ قال:
هذا مخالف. قال ابن رشد: بقوله هذا مخالف أي للسنة أي لأن السنة أن يقيم المؤذن للصلاة دون الامام والناس بدليل ما روي أن رسول الله (ص) لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف للصلح بينهم وحانت الصلاة جاء المؤذن وإلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم وإنما الذي يجب للناس في حال الإقامة أن يدعو لأنها ساعة الدعاء.
قال رسول الله (ص) ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد دعوته حضرة النداء والصف في سبيل الله انتهى. ونقله ابن عرفة وذكر أن بعضهم أخذ خلافه من رواية ابن وهب في المدونة كراهة إقامة المعتكف مع المؤذنين، لأنه عمل يعني لأن تعليله الكراهة بأنه عمل يقتضي أنه لا يكره لغير المعتكف. ورد ابن عرفة هذا الاخذ فقال: ويرد بأن المعتبر في الإقامة الكلية لا الجزئية انتهى. يعني أن إقامة المعتكف مع المؤذنين المذكورين في الرواة هو أن يكون أحد المؤذنين الذين يقيمون الصلاة خلف الامام وليس مراده أن يقيم الصلاة في نفسه فتأمله.
السادس: قال ابن عرفة: ونقل بعضهم كراهة إقامة الامام لنفسه لا أعرفه، وفي أخذه من كلام ابن رشد نظر انتهى. قلت: كلام ابن رشد إنما هو إذا أقام المؤذن فلا يقيم الامام ولا يقيم أحد من الناس معه، ويمكن أن يقال: قوله: السنة أن يقيم المؤذن يقتضي ذلك وهو الواقع في أكثر عباراتهم كما في عبارة المدونة الآتية في التنبيه السابع عشر والله تعالى أعلم.
ويؤخذ جواز ذلك مما ذكره ابن عرفة عن ابن مسلمة وسيأتي لفظه في التنبيه الخامس عشر.
والذي يظهر أن إقامة المؤذن أحسن وهو الذي عليه العمل من زمنه (ص) إلى زماننا، وإقامة الامام مجزئة والله أعلم. وما ذكره ابن رشد من استحباب الدعاء حينئذ واستدل بالحديث والحديث إنما فيه ذكر النداء، والظاهر أن المراد به الاذان كما تقدم في الكلام على الحكاية، ويحتمل أن تدخل الإقامة فإنها دعاء إلى الصلاة.
السابع: قال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة: ورأيت المؤذنين في المدينة يتوجهون إلى
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست