لصريح الآية المباركة ﴿واسجد لمن خلقت طينا﴾ (١) فإن إبليس إنما أبى عن السجود بادعاء أنه أشرف من آدم عليه السلام.
فلو كان السجود لله تعالى، وكان آدم قبلة محضة لما كان في احتجاجه الذي سجله لنا القرآن الكريم معنى، قال تعالى: ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين﴾ (2) وهذه الآيات صريحة بإرادة السجود، وليس المتبادر منه هو القبلة.
الرأي الثالث: إن السجود لشخص آدم عليه السلام، حيث كان بأمر الله تعالى، فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له لكونه بأمره.
وبيان ذلك: أن السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع، ولذلك قد خصه الله سبحانه بنفسه، ولم يرخص لعباده أن يسجدوا لغيره.
غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله تعالى كان في الحقيقة عبادة له وتقربا إليه، لأنه امتثال لامره، وانقياد لحكمه، وإن كان في الصورة تذللا للمخلوق.
ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد على هذا الامر، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق، ولا يخضع لغير الخالق حتى لو كان يأمره.