الأملاح والزرنيخ والزيابق وهى منه لما يشاهد في الغاسول والشعر والدم، ويمكن الجواب عنه بأن بساطة التراب مع أشعة الكواكب والرطوبات المائية كافية في التوليد. ثم بعد المعادن النبات كذا قال المعلم لأنه قوت الحيوان واتخاذه قبله من الحكمة لعدم بقائه بدونه وهذا حق لكن يمكن مناقشته لأنا نقول إن مجرد التراب البسيط لا ينبت دون أن يخالطه الأرواث كما قرر في الفلاحة فيجوز تقديم الحيوان وافتيات بعضه ببعض ويجوز أن يرد هذا بما سبق من المعادن. ثم الحيوان على اختلافه وقد وقع الاجماع على أن الانسان آخر المواليد إيجادا وأنه أشرفها وهى حدوده فلذلك أشبهها فمنه الجامد في الفطرة لكن إما صاف عديم الضرر كالياقوت ونحوه أو خبيث كالرصاص ومنه مر مع نفع كالصبر ومع ضرر كالدفلي وحلو كالعنب وحامض كالليمون، ومنه غادر كتوم كالجمل ومفترس كالأسد وخبيث كالقرد وخوان مع القدرة كالنمر ومع العجز كالأرنب ومتملق كالهرة وألوف كالكلب ونفور كالظبى ومنه ما يجذبه الكلام كالقرد والضرب كالدب والمقاود كالضبع وما تجلبه الشهوات كالحمار فهذه أخلاق يحتاج إليها الملك في سياسة المدن الجامعة ومنهم الانسان الخالص وهو الكائن بين نفس بحت شأنها التهذيب بالأخلاق والنظر في النواميس والسياسيات والعلوم الفاضلة طلبا للغايات التي من أجلها دخل هذا الهيكل وبين جسم بحت شأنه التنعيم بالشهوات الحيوانية من أكل ولبس ونكاح فان مال إلى الأول فهو الكامل المطلق كخواص الأنبياء ذوي النفوس القدسية أو إلى الثاني فهو الحيوان بالحقيقة أو أخذ من كل بنصيب فهو العدل المستقيم هذا كله بمجرد اختيار المختار في الأصح وقال بعضهم إنه بمقتضيات وقت التخلق والخروج وفى الحقيقة لا منافاة إذا جعلت الكواكب علامات على تحقيق ذلك عندنا.
* (تتمة) * إذا كان الانسان آخر ما وجد فكيف يكون أشرف لان المزاج بل مطلق الأشياء أصح ما تكون في أولها؟ ويمكن أن يقال إذا استحكم التمزيج وتعاقبت عليه المؤثرات كان أعدل فلذلك أخر حتى أحكم المزاج ولما سبق من إرادة الحكيم بخلقه لما ذكر بل جماع صورة العالم العلوي فيه من مخارج كالبروج وحواس كالكواكب وعروق كالدرج إلى غير ذلك.
* (خاتمة) * حيث تحقق المزاج فلا إشكال في سبق المواليد، وإنما الكلام في الثاني كيف كان فأقول إن مبدأ الأول التركيب كان مع عناية المبدع حيث أشرقت الكواكب على البقاع فسخن البعض بفعل الشمس وبرد البعض بنورية القمر ويبس وحمض باشراق زحل واحمر وصلح وقبض بالمريخ وحلا وأبيض بالمشترى وصفا بالزهرة وامتزج بعطارد ثم تعاقبت الطوارئ السفلية فتخلخلت الاغوار وخفت الجبال وتراكمت الأبخرة فكان الحر واليبس للكبريت وضده للزئبق فاجتمع شطر المدبر جذبا بقوة عاشق ومعشوق فائتلفت بمقتضى العقل بأن الأصلين إذا خلصا وختما بالأعظم ومدا بالقوة الصابغة فان فنيت رطوبتهما كانا نحو الياقوت وإلا الذهب وإن زاد الزئبق وانسلب الصبغ وخدم القمر فمع فناء الرطوبة يكون نحو الياقوت الأبيض وإلا الفضة أو صح الكبريت والصبغ وقل الزئبق وخدمت الزهرة فنحو المغناطيس والحديد أو فسدا معا وزاد الزئبق فالقلعي والكحل وإلا الاسرب والزبرجد (فهذه) حقيقة اختلافها ومنه تؤخذ الصناعة ورد المعادن الضعيفة إلى الصحيحة بضروب الحل والعقد والتكاليس كطب الأبدان هذا كله إذا كانت الافعال في مواقع السعود فان نظرت حالة الاحتراق كان الكائن بنحو السبخ والزاج أو وقت الوبال فنحو الشبات والزاجات وفى الفرق دقة يعرفها من أتقن الاحكام هذا حال نظرها إلى المكشوف وأما نظرها