تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ٣ - الصفحة ٥٤
لاستحالة أن يكون البدن صحيحا مريضا متوسطا معا، ولا إلى الثاني لان الحالات المذكورة يستحيل ارتفاعها معا عن الحي المركب فتعين الثالث، وعليه تكون الأسباب إما عامة لثلاث يلزم من صحتها الصحة والعكس ومن توسطها التوسط وتسمى هذه المشتركة والضرورية لان البدن لا يبقى بقاء يعتد به بدونها، وإلى ما يخص أحد الثلاث لصحة الهواء مثلا فإنها توجب الصحة وهكذا، أو إلى ما يخص نوعا من الحالات بحسب زمان كمن يصح صيفا فقط ومكان كمن يصح في إقليم أو بلدة بعينها أو يتوسط حاله فيهما وكذا الكلام بالنسبة إلى عضو وشخص وصناعة وفى كل هذا تحقيق التقسيم لا ما ذكره أبو الفرج فإنه تحكم لا دليل عليه. ثم هي باعتبار آخر تنقسم إلى بادية وهى كل وارد على البدن من خارج يوجب وروده حالة بدنية كتسخين الشمس حيث يوجب الصداع ومرق الفراريج حيث يوجب صحة الدم. وإلى سابقة وهى كل بدني يكون عنه المرض بواسطة كالامتلاء في إيجاب التعفين المستلزم للحمى وكدلائل النضج في البحران فإنه يدل على انحلال المرض المنتج للصحة. وإلى واصلة وهى بدنية توجب ما توجبه بلا واسطة كالتعفين للحمى وانفجار العرق بالرعاف في الصحة من الصداع الدموع، وبين هذه اتفاق وافتراق، فالسابقة والواصلة متفقان في كونهما بدنيين، والبادية والسابقة في إيجابهما بواسطة في زوال أحدهما مع بقاء ما أوجبه وفى تخلف أثره عنه ومنه يعلم الافتراق وكل ذلك أكثرى، ثم الأسباب منها ما يخلف غيره وإن زال كالتسخين فإنه قد يفضى إلى الحمى، ومنها ما ينفك إلى إيجاب شئ ء كالتبرد الخفيف. وحد مراتب الأسباب على ما مثله الفاضل العلامة ست مراتب، فان أكل لحم البقر يوجب الامتلاء وعنه التعفين وعنه الحمى وهذه تفضى إلى السل وهو إلى القرحة، ويشترط في ذلك الفاعلية والقابلية والزمن المؤثر المتسع فلو اختل واحد لم يلزم الحكم المترتب عندنا ولا يكون أصلا عند قدماء الفلاسفة.
ثم السبب قد يكون مطلقا كذلك كالاستحمام بالبارد شتاء، وقد يكون سببا من وجه كالتعفين للحمى مرضا من آخر كهى للسل. وأما الأسباب النفسية كالغضب والفرح فقد صرح المعلم بأنها بادية وتبعه الشيخ والفاضل أبو الفرج ثم فهموا عن العظيم المحقق أن ذلك لكون النفس جوهرا مجردا يدبر الجسم دون أن يتغير فيكون خارجا عنه وعندي في هذا نظر لان الكلام في الأسباب هنا على رأى الأطباء وهم لا حاجة لهم إلى الكلام في النفس المذكور لأنه من شأن الفلاسفة، بل أقول إن الأسباب المذكورة إنما عدت بادية لأنها تطرأ من خارج كلقاء محبوب وحصول مطلوب ولو كانت بالمعنى الذي فهموه لم يتم لنا سبب بدني لان الامتلاء مثلا من الغذاء وهو غير بدني بالقياس على النفس، وقال كثير إنها بدنية لانها وإن كانت من قوى النفس إلا أنها بفعل المزاج وإلا لتساوى غضب المحرور والمبرود وهو باطل. وتنقسم من وجه آخر إلى طبيعية لحر الصيف، وغير طبيعية إما موحبة للصحة كحر الشتاء أو للمرض كتعفن الربيع، ومن آخر إلى أنها زمانية كمرض صيفي أو مكانية ككثرة مرض مخصوص ببلد كذلك إلى غيره، ثم الضرورية إنما انحصرت في الست لان البدن إما أن أن ينظر في تصحيح مواده البعيدة وهو ما يؤكل ويشرب أو في صورته إما باعتبار ما يلحقها من الأغذية كالنوم واليقظة أو من عوارض خارجة كالحركة والسكون أو داخلة كالنفسية أو باعتبار الأرواح فالهواء، أو باعتبار المجموع فالاحتباس والاستفراغ فهذا وجه الحصر، وعدها بعضهم خمسة لان الحركة تشمل النفسية والبدنية وتقدم في المفردات في حرف الهاء الهواء فإنه من الأسباب الضرورية وأما البواقي فتأتى في أما كنها [سدر] هو والدوار من أمراض الرأس، وحقيقة
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 صفة خواتم الملوك السبعة وبخوراتهم 4
3 حرف الياء 5
4 حرف الكاف 6
5 فصل في الحد والموضوع 7
6 فصل في أولها وهي العناصر 7
7 فصل في ثانيها وهو المزاج 8
8 حرف اللام 14
9 حرف الميم 16
10 فصل في العلامات الدالة على تغير المزاج 29
11 حرف النون 43
12 حرف السين 53
13 الفصل الأول في سبب انقسامها وانحصارها 53
14 فصل في النواميس وكيفية أعمالها 62
15 فصل في المحاريق وكيفية أعمالها 65
16 فصل في التعافين 65
17 فصل في المراقيد 67
18 فصل في عمل النيرنجيات 67
19 باب في الإخفاء 68
20 حرف العين 70
21 علم الحرف 89
22 في معرفة التصرفات بالأوفاق العددية واستخراج الأعوان العلوية 93
23 فصل في استخراج أسماء الملوك العلوية وأسماء الأعوان السفلية 94
24 علم منازل القمر وما يتعلق به والكواكب وما يتعلق بها وغير ذلك 101
25 فصل في أن الآدمي فيه شبه كل شيء من العالم السفلى والعلوي 104
26 فصل في ذكر ملحمة مباركة على الكواكب السبعة السيارة 106
27 فصل في الأوقاف السعيدة والأوقات النسخة وساعاتها 111
28 باب في ذكر التهاييج 113
29 حرف الفاء 127
30 حرف الصاد 138
31 حرف القاف 144
32 حرف الراء 147
33 باب فيه نكت وغرائب في ضرب المسائل لمن أراد سفرا أو غير ذلك 169
34 فصل في معنى الولد والبحث عنه ذكر هو أم أنثى 169
35 فصل في معرفة الضمير 169
36 فصل في الخصومة 169
37 فصل في السفر البحر 169
38 فصل في صفة سؤال المريض عن مرضه 170
39 باب المفردات والكلام عليها 170
40 فصل في إخراج الاسم 171
41 فصل في معرفة الوضع 172
42 حرف الشين المعجمة 172
43 حرف التاء المثناة 179
44 حرف الثاء المثلثة 181
45 حرف الخاء المعجمة 182
46 حرف الدال المعجمة 183
47 حرف الضاد المعجمة 183
48 حرف الظاء المعجمة 183
49 حرف الغين المعجمة 184
50 خاتمة في نكت وغرائب ولطائف وعجائب 185
51 فصل في كيفية هضم الغذاء وفساده 191
52 فصل في مقدار الماء الذي يشربه المهموم عند العطش 191
53 فصل في الفصد والاستفراغ والجذب ودوائها 191
54 فصل في المعاجلة بالدواء الواحد خير من المعاجلة بالمركب 192
55 فصل في كان حكماء اليونان إذا أشكل عليهم حال المريض خلوا بينه وبين الطبيعة 192
56 فصل إذا قال الأطباء كزرة يابسة فمرادهم حشيشتها لا بزرها وفوائد مختلفة 192
57 فصل في كيفية محبة الرجال والنساء 192
58 فصل في علاج من سقى المرتك 193
59 دعاء آخر السنة 196
60 فصل في التحييرات المجربة 197