لاستحالة أن يكون البدن صحيحا مريضا متوسطا معا، ولا إلى الثاني لان الحالات المذكورة يستحيل ارتفاعها معا عن الحي المركب فتعين الثالث، وعليه تكون الأسباب إما عامة لثلاث يلزم من صحتها الصحة والعكس ومن توسطها التوسط وتسمى هذه المشتركة والضرورية لان البدن لا يبقى بقاء يعتد به بدونها، وإلى ما يخص أحد الثلاث لصحة الهواء مثلا فإنها توجب الصحة وهكذا، أو إلى ما يخص نوعا من الحالات بحسب زمان كمن يصح صيفا فقط ومكان كمن يصح في إقليم أو بلدة بعينها أو يتوسط حاله فيهما وكذا الكلام بالنسبة إلى عضو وشخص وصناعة وفى كل هذا تحقيق التقسيم لا ما ذكره أبو الفرج فإنه تحكم لا دليل عليه. ثم هي باعتبار آخر تنقسم إلى بادية وهى كل وارد على البدن من خارج يوجب وروده حالة بدنية كتسخين الشمس حيث يوجب الصداع ومرق الفراريج حيث يوجب صحة الدم. وإلى سابقة وهى كل بدني يكون عنه المرض بواسطة كالامتلاء في إيجاب التعفين المستلزم للحمى وكدلائل النضج في البحران فإنه يدل على انحلال المرض المنتج للصحة. وإلى واصلة وهى بدنية توجب ما توجبه بلا واسطة كالتعفين للحمى وانفجار العرق بالرعاف في الصحة من الصداع الدموع، وبين هذه اتفاق وافتراق، فالسابقة والواصلة متفقان في كونهما بدنيين، والبادية والسابقة في إيجابهما بواسطة في زوال أحدهما مع بقاء ما أوجبه وفى تخلف أثره عنه ومنه يعلم الافتراق وكل ذلك أكثرى، ثم الأسباب منها ما يخلف غيره وإن زال كالتسخين فإنه قد يفضى إلى الحمى، ومنها ما ينفك إلى إيجاب شئ ء كالتبرد الخفيف. وحد مراتب الأسباب على ما مثله الفاضل العلامة ست مراتب، فان أكل لحم البقر يوجب الامتلاء وعنه التعفين وعنه الحمى وهذه تفضى إلى السل وهو إلى القرحة، ويشترط في ذلك الفاعلية والقابلية والزمن المؤثر المتسع فلو اختل واحد لم يلزم الحكم المترتب عندنا ولا يكون أصلا عند قدماء الفلاسفة.
ثم السبب قد يكون مطلقا كذلك كالاستحمام بالبارد شتاء، وقد يكون سببا من وجه كالتعفين للحمى مرضا من آخر كهى للسل. وأما الأسباب النفسية كالغضب والفرح فقد صرح المعلم بأنها بادية وتبعه الشيخ والفاضل أبو الفرج ثم فهموا عن العظيم المحقق أن ذلك لكون النفس جوهرا مجردا يدبر الجسم دون أن يتغير فيكون خارجا عنه وعندي في هذا نظر لان الكلام في الأسباب هنا على رأى الأطباء وهم لا حاجة لهم إلى الكلام في النفس المذكور لأنه من شأن الفلاسفة، بل أقول إن الأسباب المذكورة إنما عدت بادية لأنها تطرأ من خارج كلقاء محبوب وحصول مطلوب ولو كانت بالمعنى الذي فهموه لم يتم لنا سبب بدني لان الامتلاء مثلا من الغذاء وهو غير بدني بالقياس على النفس، وقال كثير إنها بدنية لانها وإن كانت من قوى النفس إلا أنها بفعل المزاج وإلا لتساوى غضب المحرور والمبرود وهو باطل. وتنقسم من وجه آخر إلى طبيعية لحر الصيف، وغير طبيعية إما موحبة للصحة كحر الشتاء أو للمرض كتعفن الربيع، ومن آخر إلى أنها زمانية كمرض صيفي أو مكانية ككثرة مرض مخصوص ببلد كذلك إلى غيره، ثم الضرورية إنما انحصرت في الست لان البدن إما أن أن ينظر في تصحيح مواده البعيدة وهو ما يؤكل ويشرب أو في صورته إما باعتبار ما يلحقها من الأغذية كالنوم واليقظة أو من عوارض خارجة كالحركة والسكون أو داخلة كالنفسية أو باعتبار الأرواح فالهواء، أو باعتبار المجموع فالاحتباس والاستفراغ فهذا وجه الحصر، وعدها بعضهم خمسة لان الحركة تشمل النفسية والبدنية وتقدم في المفردات في حرف الهاء الهواء فإنه من الأسباب الضرورية وأما البواقي فتأتى في أما كنها [سدر] هو والدوار من أمراض الرأس، وحقيقة