الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت (1) وعلى أن تكون الخلافة للحسن من بعده. وعندما وصلت الرسالة، قام الحسن خطيبا وقال: إن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة. فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبأ السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا، فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية وإمضاء الصلح (2).
وهنا قال الحسن رضي الله عنه كلمته المشهورة: يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي، وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي (3). فالذين تخاذلوا عن الإمام علي وقتلوه، لا بد لهم من عقاب في بطن الغيب. فلما جاء الحسن آخذا بأسباب النجاة، لم يتركوه وإنما طعنوه وسرقوا متاعه، فأي جنود هؤلاء الذين احترفوا ظلم أئمتهم؟ ثم إذا كانوا قد سرقوا متاعا بدراهم معدودة، فكيف يكون الحال إذا وضع الذهب في طريقهم وأذن لهم أن يأخذوه نظير خدمة ما يقدمونها إلى جهاز ما.
وبدأ الحسن يتركهم وما يريدون، فلقد اشترط عليهم عند البيعة أن يسمعوا، وأن يطيعوا وأن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم. ولكنهم لم يسمعوا ولم يطيعوا وسالموا من حارب من قبل أن تبدأ الحرب، وروي أن الحسن رضي الله عنه كتب شروطا كثيرة على الصحيفة البيضاء المختوم على أسفلها، وهذه الشروط حجة بذاتها على أصحاب المقاعد الأولى، حتى لا يكون لهم على الله حجة. وبعث الحسن إلى معاوية يطلب الصلح، وكتب إلى قيس بن سعد وكان على مقدمته في اثني عشر ألفا، يأمره بالدخول في طاعة معاوية، فقام قيس في الناس فقال: يا أيها الناس اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أو القتال مع غير إمام. قالوا: لا بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلالة، فبايعوا لمعاوية، وانصرف عنهم قيس بن