ستخرج بلا خوف من سيوف وقيود. وبعد أن استمع، تحرك ركبه إلى المدينة.
وروي أنه لما قدم المدينة، تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك، وأعلا أمرك، فما رد عليهم جوابا حتى دخل المدينة. فقصد المسجد ثم قال: أما بعد فإني والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك، ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة، فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه. وأردتها على عمل ابن الخطاب، فكانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلك. وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي. وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم. غير أني سلكت بها طريقا لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكن فيه مواكلة حسنة، ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة. فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم. والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه... وإياكم والفتنة فلا تهموا بها... (1).
وأهم معالم الخطاب أن لكل خليفة طريقة، وبما أن معاوية لا يدرك فضل الذين سبقوه رضوان الله عليهم، فإنه ستكون له سنة خاصة به فيها منفعة له ولهم. وفي جميع الأحوال فهو قد وضع نفسه في دائرة الخير " فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم "، وفي جميع الأحوال فهو في دائرة الحق " وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه "، وفي جميع الأحوال فإن هذا هو الدين الذين نزل به جبريل الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
وروي أن معاوية لقي أبا قتادة الأنصاري في المدينة فقال له: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار. فقال: لم يكن لنا دواب. قال: فأين النواضح؟
فقال: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. ثم قال: إن النبي صلى الله عليه