المدينة. ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما.
فإن الآن أعظم أمركما بالعار. من قبل أن يجتمع العار والنار. والسلام " (1).
وبينما الإمام يبعث برسائله، علم وهو في الربذة بما حدث لعامله عثمان بن حنيفة في البصرة وبالقتلى الذين قتلوا ظلما وعدوانا (2)، كما علم أن أبا موسى الأشعري يثبط الناس عنه بالكوفة. وتحرك الإمام إلى ذي قار، يقول ابن عباس عندما دخل عليه: فأتيته فوجدته يخصف نعلا (3). فقلت له: نحن إلى أن تصلح من أمورنا أحوج منا إلى ما تصنع. فلم يكلمني حتى فرغ من نعله. ثم ضمها إلى صاحبتها وقال لي: قومهما. فقلت: ليس لهما قيمة، قال:
ذاك! قلت: كسر درهمه، قال: والله أيهما أحب إلى من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال:
إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من العرب يقرأ كتابا، ولا يدعي نبوة. فساق الناس حتى بوأهم محلتهم (4) وبلغهم منجاتهم. فاستقامت قناتهم (5). واطمأنت صفاتهم (6). أما والله إن كنت لفي ساقتها. حتى تولت بحذافيرها. ما عجزت ولا جبنت وإن مسيري هذا لمثلها.
فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه. ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس. كما أنا صاحبهم اليوم والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم. فأدخلناهم في حيزنا " (7).
فالإمام في كلامه. كأنه جعل الباطل كشئ قد اشتمل على الحق. واحتوى عليه. وصار الحق في طيه. كالشئ الكامن المستتر فيه. فأقسم لينقبن ذلك.