يشاركه في تلك المواقف. يريد عمالا على قلبه، في التنمر والشدة. لقد أدرك من أمر قيس ما أدرك، وعرف إنه كان يداري مكاره كثار ومكايد عظام. غير أن عليا (ع) لم يكن في حاجة إلى مدارات، والظرف ظرف مواجهة وتحدي، وهو يحتاج إلى من يجند جماهير الأمصار، ويهيئهم للمواجهة، لا من يسلس للمكايد، ويداري على الحق. لذلك اضطر علي (ع) أن يعزله ويضع مكانه رجلا على نهجه في الكفاح.
ولم يقف معاوية عند هذا الحد، بل استمر في الكتابة إلى أهل الأمصار الأخرى، وحتى إلى المدينة ومكة نفسها.
كان يريد معاوية أن ينبه المغفلين ويشكك البسطاء ويحرضهم على الميل إليه في مطلبه للانتقام من قتلة عثمان. غير أن أهلها ردوا عليه على لسان واحدهم: (179) أما بعد، فإنك أخطأت خطأ عظيما، وأخذت مواضع النصرة، وتناولتها من مكان بعيد، وما أنت والخلافة يا معاوية، وأنت طليق، وأبوك من الأحزاب، فكف عنا، فليس لك قبلنا ولي ولا نصير.
وكاتب معاوية عليا (ع) وتبادلا الخطاب، غير أن معاوية كان أكثر تشبثا، برأي مستحيل.
احتاج معاوية إلى عقل يضاربه في الدهاء. فكتب إلى عمرو بن العاص، يستميله إليه، ويطلب منه المشاركة في القتال ضد علي (ع).
ولم يكن عمرو بن العاص يعاني أزمة في الدهاء، حتى تتمكن من مكيدة معاوية. فهذا الذي لا ناقة له ولا جمل إلا في الدنيا، ما لها وبنينها، لم يكن ليستجيب مجانا لطلب معاوية. ولم يكن عمرو بن العاص يعاني جهلا في معرفة مجريات الأمور، وما يريده الدين وما لا يريده، حتى ينقاد ساذجا إلى معاوية، يقاتل إلى جنبه يتوخى نصرة حق مزيف.