سيرة الرسول: المنطلق والمسيرة!
نحن إذ نتحدث عن الرسول صلى الله عليه وآله لا نريد أن نرسم له سيرة تفصيلية كما هي عادة (السير). فهذا العمل لا يتناسب مع مقاصد الكتاب. ولكننا سنحاول قراءتها ضمن معطياتنا المنهجية، مركزين على المحطاة الحساسة، التي تعتبر مفتاحا لفهم الظاهرات التي شهدها التاريخ الإسلامي فيما بعد.
مع ذلك وحين نمسك (سفرا) عن السيرة، عادة لا نتجاوز بعض الأبعاد التي يذكره في البداية. وهي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية المجتمع الذي ظهرت فيه (البعثة)!.
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وآله مبشرا وهاديا، إلى قومه، ومعارضا لكل ما رزح به المجتمع العربي من أمراض اجتماعية وسياسية وأخلاقية. وأثناء ممارسته صلى الله عليه وآله للدعوة في المجتمع الجاهلي، كان يتعرض لنمط من الأذى، تقف وراءه نفوس، هي خلاصة ما أنتجه مجتمع الجزيرة العربية، وبكل المحددات التي تولدها البيئة الجاهلية، والإنسان العربي قبل الإسلام، كان يعاني انهيارا حضاريا يؤشر بالموت النهائي للمجتمع الجاهلي.
فسياسيا كانت أطراف الجزيرة العربية، خاضعة للنفوذ الاستعماري، من قبل قوتين عظيمتين، تمارسان توازنهما الحربي والسياسي في حين أن الوسط بقي منفلتا عن هاتين السلطتين ويعيش فراغا سياسيا قاتلا. وكانت تلكما القوتان، هما (فارس) و (الروم).