أولئك الذين كانوا يطيعون معاوية طاعة عمياء. هذا العامل الأول، الذي أربك كفتي الصراع بين علي ومعاوية. ولهذا لم يكن دهاء معاوية بالذي يجتاز على الإمام علي (ع). دهاء يصدر عن نفس دنيئة، خربة. مقابل بصيرة تصدر عن ذات تنظر بعين الله. وهمزات شيطانية لزنيم لفظته رمال الصحراء، مقابل شفافية ولي، نظرته السماء لهذه المهمة الإنسانية الكبرى. شتان، شتان.
ولذلك يعلنها الإمام علي (ع) درسا للأجيال يقرع به منافذ الألباب: (والله ما معاوية بأدهى مني وأنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس). فالمسألة في جوهرها ليست مسألة سياسية تقتضي التواء وتحايلا، للقبض على أسباب النفوذ. أنها مسألة أمة، كتب لها أن تقوم على الحق وبالحق ليس إلا.
والإمام علي (ع) كان رجل عقيدة. يريد أن (يؤدلج) المجتمع بعقيدة الإسلام. لذلك لم يهتم بالفتوحات التي كانت مصدرا للغنيمة، ولا بالتقرب إلى القبائل والأقرباء، بتنصيب رموزها في الإمارات، على هشاشتهم، تزلفا، ومرونة.. وفي ذلك مكسب سياسي مصدره - عائممل القبيلة وهو يدرك نتائج هذه الإجراءات تجاوز المكسب السياسي من أجل الانجاز الحضاري الكبير!.
كيف؟.
الإمام علي (ع) كان رجل أيديولوجيا - عقيدة وليس سياسيا، مخادعا. له رسالة حضارية يؤديها، ويمارس دوره بوعي خاص ونظرة معينة. له معاييره في (الحقيقة) وليس في (اللعبة السياسية) أي إنه تجاوز (السياسي) من أجل (الأيديولوجي) من أجل التوجه الحضاري!، خسران (دولة) بالنسبة للإمام علي (ع) شأنه كباقي العقائديين، لا يعني شيئا. لأن دولة سياسية غير قادرة وغير قابلة لممارسة المهمة العقائدية، تساوي اللاشئ. لذلك أراد أن يوقف المسيرة.
يوقف التاريخ التآمري معها. لتنضبط الأمور، أو لا تنضبط. لكي يسير التاريخ في الوجهة المفضوحة الفصيحة. لا في خط التضليل والتلبيس!. الإمام علي (ع) بهذا المعنى كان استراتيجيا ولم يكن سياسيا تكتيكيا.