(8) تأميره الطلقاء على المسلمين واستشارتهم وإهمال مشورة الصحابة الكبار.
كانت هذه باختصار هي الفئات الرئيسية للتمرد. والدليل على ذلك أنها تفرقت وجهاتها بعد مقتل عثمان، فمنهم من أكمل الدرب على نهج الاصلاح منضويا تحت راية الإمام علي (ع) ومنهم من راح يلتمس له أسباب الغنى.
وآخرون اكتفوا بمقتل عثمان، كانتقام للحالة العشائرية.
وكان الصنف الذي يبحث عن المال، قد رجع وانخرط في جيش معاوية فيما بعد، فنال بذلك ثمن الردة والنفاق، من عطاء أهل الشام.
كانت خلافة عثمان منذ البداية مهندسة على هذا الشكل، وهو أن يستفيد القدر الممكن من الخلافة، ثم يسلمها على غرار سابقيه إلى صهره (عبد الرحمن بن عوف)، لتبقى دولة بين عصابة من زهرة وابن أبي معيط وبني أمية. والإمام علي (ع) سرعان ما أدرك اللعبة وهو يقول بعد أن انزاحت الخلافة عنه: ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، (فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون)، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك) (120).
بقي عثمان حريصا على مخططه، كيف لا وعبد الرحمن بن عوف هو الذي سلمها إياه. ولم يكن ليسلمها له، لولا أنه عرف نفسه غير مرغوب فيه. ويبدو أن عثمان أراد أن يستجيب للوعد ولكنه خاف على نفسه، ولم يستطع الوفاء بوعده لعبد الرحمن، فربما تغيرت وجهة نظره، فرأى أن يسلمها لواحد من أقربائه.
كتب له حمران مولاه، فأنكر عليه شيئا، فنفاه إلى البصرة، فلم يزل بها حتى قتل عثمان. ويذكر مسكويه في تجاربه، سبب سقوط هذا الكاتب من عين عثمان وسبب نفيه إياه فقال: إن عثمان اشتكى شكاة، فقال له:
(أكتب العهد بعدي لعبد الرحمن بن عوف).
فانطلق حمران إلى عبد الرحمن بن عوف فقال له:
(البشرى!).