غير أن الخطة التي دبرها عثمان لتحجيم المعارضة لم تنجح، لأن فئات التمرد لم تكن واحدة. بل هي مختلفة تماما، ولكل واحدة خلفياتها في التحرك، فهناك إلى جانب تلك الفئات، فئة تتحرك في ضوء هدف ثابت، هو إسقاط عثمان والخلافة، وإعادة الأمر إلى أهله من آل البيت (ع) وهؤلاء لم تلههم الفتوحات، لأنهم لم ينشغلوا بغنائمها. وعليه، فإن عثمان، كان هو نفسه مضطرا إلى سلوك أكثر من خطه في القمع السياسي. فكان حتما أن يسلك مسلكا آخر.
المسلك الثاني: أسلوب القمع، والتصفية المنهجية للمعارضة. وكان هذا ثاني أسلوب لجأ إليه عثمان، بعد أن أفلس أسلوبه الأول، ولم يحقق إلا نتائج وقتية وهذا المسلك يقضي، بتتبع آثار المعارضة، والقبض على رموزها، واتخاذ الإجراءات العنيفة ضدهم. وبكسر شوكة قيادات التمرد تنكسر عصا التمرد كله. وكانت هذه الخطة في بداية المشاورات من وحي سعيد بن العاص. إذ لما جمعهم (عثمان) والتمس آراءهم، حول مسألة التمرد قال له سعيد:
(يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد رأينا فاحسم عنا الداء، واقطع ما تخاف من الأصل، واعمل برأيي).
قال: (وما هو؟).
قال: (إن لكل قوم قادة متى تهلك تفرقوا ولا يجتمع لهم أمر.
قال عثمان: (إن هذا الرأي لولا ما فيه) (127).
كانت هذه الخطة أقرب إلى الحسم من الخطة الأولى، غير أنها مكلفة، لأن فيها مواجهة مباشرة بين عثمان وعصابة بني أمية وكبار الصحابة المتمردين. وأدرك عثمان أنه من الصعب أن يتخذ إجراءات حاسمة ومباشرة ضد هؤلاء المهاجرين إلا أنه يفقد أحيانا توازنه، فيسلك فيهم مسلكا قمعيا، فتزيد شقة التمرد اتساعا.