المسلك الأول:
تحقيق نوع من الافراط، والتضخيم في النشاط البراني للمجتمع الإسلامي.
إذ أن سياسة تصدير الأزمات، وبالتالي الاهتمامات إلى الخارج، ليس وليد السياسة المعاصرة. بل هي قديمة قدم الاجتماع البشري، ومنذ نشوء السلطة في المجتمع الإنساني. وهي السياسة التي تفوت الاهتمام بالداخل إلى قضايا الخارج، وتوجيه الهم المجتمعي إلى أزمات الخارج، ومن ذلك، الحروب التي تخلقها بعض الدول، لتصرف أنظار المجتمع إلى الجبهات. وبالتالي، تتجنب الاضطرابات في الداخل. وكان عثمان بن عفان حريصا على خلق واقع من النشاطات البرانية، ليبعد الأنظار عن سياسته، ومفاسده الداخلية. فشجع الفتوحات، وألهى بها المسلمين.
والتاريخ يثبت أن الفتوحات التي كانت تجري في هذا العصر وما بعده. لم تكن ذات هدف ديني خالص، بقدر ما كان العامل التجاري والاقتصادي حاضرا فيها. فكانت الفتوحات تفيض عليهم بالغنائم النفيسة. ولم تكن الأمصار محط اهتمام ديني بقدر ما كانت مستوطنات لبني أمية، يشيدون فيها قصورهم، ويكرسون فيها مظاهر الفساد. إن عملية إلهاء الجماهير الإسلامية، وإشغالها بالحروب، يلغي الخلفية الإسلامية السلمية، لحركة الفتح. لقد اشتدت حدة التمرد، وعم الاضطراب في الداخل والخارج، وتداول المسلمون قضايا المفاسد وتناقلوها فيما بينهم، وبدأت سلطة عثمان تدخل شيئا فشيئا نفق الانهيار. في تلك الأثناء، جمع هيئته الاستشارية، من الطلقاء، وضعاف الإيمان، ليتباحث معهم شؤون الدولة، وأوضاع المجتمع، والكيفية التي يتخلص بها من المعارضة، جمعت الهيئة كلا من معاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص وغيرهم.
فقال عثمان: إن لكل امرئ وزراء نصحاء، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما رأيتم وطلبوا إلي أن أعزل عمالي وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون. فاجتهدوا لي رأيكم ثم أشيروا علي).