سبق أن ذكرنا، يشكل إحدى مكونات الاجتماع العربي حتى مع وجود الإسلام، والبنية المجتمعية للعرب، كانت ولا تزال تنتج - باستمرار نزوعا قبليا ضمن أنماط شتى في السلوك السياسي والاجتماعي.. ومن أولئك الذين ثاروا عليه، رجال كانوا غير متضررين اقتصاديا. ويذكر التاريخ أن عبد الرحمن بن عوف الذي أثبته في الخلافة، كان قد أنكر عليه، إذ رآه ينهج هذا النهج. وعبد الرحمن رغم أنه بلغ غناه مداه في عهد عثمان، ورغم مصاهرته لعثمان، ورغم تجاوزه للحق الشرعي، في خلع علي (ع) (117) عن الخلافة وتثبيت عثمان.. فإنه يأبى أن ينهج عثمان، نهجا يقوي فيه (عشيرته). ومثل ذلك طلحة. فلم يكن هو الآخر، متضررا من الحالة الاقتصادية، بل لقد كانت غلته يومذاك من العراق تعد بألف دينار كل يوم مثل عبد الرحمن بن عوف الذي كان على مربطه ألف فرس وألف بعير وعشرة آلاف من الغنم.. ولكن القضية لها خلفيات أخرى.
فلا زهرة من عبد الرحمن، ولا تيم من طلحة، براضية بهذا الوضع الذي آل إليه الأمويون بمؤازرة عثمان، حيث حملهم على رقاب الناس. لقد سلب عثمان إرث آل البيت (ع) وهو (فدك) وأقطعها واحدا من عشيرته وهو مروان، وفي ذلك مهانة لبني هاشم لها أن تقرع الوجدان العربي. وكذلك لما رأوا عثمان يستقبل (الحكم) طريد الرسول صلى الله عليه وآله في المدينة، ليقضي بطرد أحد سادة العرب والمسلمين أبي ذر إلى الربذة. لقد رأوا العرب من مختلف القبائل، إن هذا هو عثمان، وإن عشيرة بني أمية راحت تطأ كل العشائر.
وحيث إن عثمان أظهر توجهه العشائري للمسلمين، وأفصح عن وجهة نظره الخاصة تجاه أقربائه، واعترف لهم أنه يعمل بمقتضى الاجتهاد. لذلك أحيا فيهم النخوة العربية، والنزعة القبلية مجددا، فراحوا يفكرون في الثورة والتغيير.
الفئة الثالثة:
انطلقت هذه الفئة من الخلفية الاصلاحية، متجاوزة كل الخلفيات الأخرى.