فقال عبد الله بن عامر:
(رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك، فلا تكون همة أحدهم إلا نفسه: وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته) (123).
وعليه فإن حركة الفتوح، لم تعد هدفا رساليا، مقدسا. كما كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وآله بل تحولت إلى أسهم في بورصة الجهاد. إذ لما كان عثمان قد ولى عبد الله بن عامر البصرة، وولى سعيد بن العاص الكوفة، كتب إليهما: أيكما سبق إلى خراسان، فهو أمير عليها. فخرج عبد الله بن عامر، وسعيد بن العاص، فأتى دهقان من دهاقنة خراسان إلى عبد الله بن عامر فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة فأخذ به على طريق مختصر إلى (قومس)، وعبد الله بن حازم السلمي على مقدمته. الخ) (124) وقد كثرت الفتوح التي قادها ضعاف الإيمان، فتحت هراة ومرو الروذ، ثم الطالقان والغارياب، وطخارستان. وأرمينية، وجرزان.. وكان عثمان قد بعث بجيش، وجعل معاوية أميرا لهم، على الصائفة في سنة 32، فبلغوا إلى مضيق القسطنطينية وفتحوا فتوحا كثيرة (125).
لم تكن حكومة عثمان تهئ برنامجا تثقيفيا للبلدان المفتوحة. بل كانت جيوشه تكتفي بإخضاع البلدان إلى الاستسلام، ثم نهب ثرواتها، ثم الافساد فيها.
والتواريخ تطفح بالأخبار عن عمال عثمان، ولهوهم وعبثهم في الإمارات (126).