فعل ذلك سرا. وعلم عبد الرحمن إن العهد سرا بالخلافة لا يمكنه من ركوبها. إنه يريد منه علانية على غرار عمر وأبي بكر. فلما أحس بذلك علم أن عهده قد نكث، فعاداه. هذه العداوة التي ستنتهي إلى التفكير في الانتقام. كيف لا، وعبد الرحمن بن عوف، قد زهد في كل شئ وغامر بكل مكتسباته ليثبت عثمان.
لقد أفسد علاقته مع علي (ع) وشيعته. وسقط من أعين الصحابة الكبار.
لذلك سيحاول عبد الرحمن، استدراك الخطيئة، ليتقرب إلى علي (ع) من جهة، ويسقط عثمان من جهة أخرى. وقد تحين الفرص كلها من أجل إسقاط عثمان. حتى إذا كان وفاة أبي ذر في الربذة، استغلها كورقة سياسية ودينية في نعي عثمان. يروي الواقدي: لما توفي أبو ذر بالربذة، تذاكر علي وعبد الرحمن فعل عثمان. فقال علي (ع) له هذا عملك، فقال عبد الرحمن فإذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، إن خالف ما أعطاني). وهذه (أعطاني) تدل على أن عبد الرحمن صادق وذكي لما قالها في صيغة المجهول. فأعطاني، أي وعد الخلافة!.
أمام هذا الواقع المتموج بالرفض والتمرد. كان لا بد لعثمان أن يسلك نهجا سياسيا يقيه من ضربات المعارضة، ويجنبه خطر السقوط فما هي الإجراءات التكتيكية، التي اتخذها عثمان، لتطويق حالة الرفض الاجتماعي؟.
لسنا طبعا مثل طه حسين، لما حرص على إيجاد المبررات التاريخية للفتنة الكبرى. قال إنهم معذورون؟ لأنهم لم يعرفوا حتى ذلك الزمان، معنى الدستور! أقول، إن السيطرة على الظلم في مجتمع بسيط هو أسهل بكثير منه في مجتمع مدني معقد. وممارسة العدالة، كانت منذ غابر العصور فضيلة تذكر في الأمم. بل إن العدل كان يمارس كفضيلة أخلاقية إلى جانب كونه قيمة حقوقية.
ومن جهة أخرى فإن السياسة حتى في زمن عثمان، لم تكن تمارس بسليقة اجتماعية كما يتصور البعض. إنما كانت تمارس بتخطيط محكم. والمستشارون الذين اعتمدهم عثمان، كانوا من دهاة العرب. و (السترجة) العثمانية في تحجيم دائرة الرفض، وتوفير التهدئة الضرورية، كانت تتجسد في ثلاثة مسالك: