وإذا ما رجعنا قليلا بالبحث، وبالضبط يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والذي سماه ابن عباس يوم الرزية، وذلك عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، نرى في ذلك اليوم أن عمر بن الخطاب هو الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتهمه بالهجر - أي الهذيان - والعياذ بالله، وقال:
حسبنا كتاب الله يكفينا وقد أخرج هذه الحادثة البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم من المؤرخين كثير.
فإذا كان عمر يمنع رسول الله من كتابة أحاديثه وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت ويتهمه بالهجر بتلك الجرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، فليس غريبا ولا عجيبا أن يشمر عن ساعديه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليمنع الناس من نقل أحاديث الرسول بكل جهوده وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول والطول، ولا شك أن له في الصحابة أنصارا كثيرين من سراة قريش الذين لهم نفوذ في القبائل والعشائر والذين كانوا يصحبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما طمعا أو خوفا أو نفاقا، وقد رأينا هؤلاء على كثرتهم يؤيدون قولة عمر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهجر ويشاركونه في منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب، وأعتقد بأن ذلك كان هو السبب الرئيسي في سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكتابة لأنه علم بوحي ربه بأن المؤامرة قوية وقد تهدد مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كتب ذلك الكتاب.
ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحصين أمته من الدخول في الضلالة فإذا بالمتآمرين يقلبون الموقف ويصبح ذلك الكتاب (إذا ما كتب) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام.
فكيف لا يغير رسول الله - بأبي هو وأمي - وهو على تلك الحال من المرض على فراش الموت رأيه وبوحي من ربه الذي يرن في أذنيه، ويملأ قلبه حسرة وأسى على أمته المنكوبة قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم على