هناك عدة إشارات تجعل هذا الافتراض مقبولا إلى حد ما، فقد لاحظ بعضهم أن بولس لا ينفك ينظر بإحدى عينيه إلى المسيحيين من أصل يهودي وبالعين الأخرى إلى المؤمنين من أصل وثني. فقد استعمل كثيرا في الرسالة لفظتي " اليهود - اليونانيين " وما يوازيهما (1 / 14 - 16 و 2 / 9 و 10 و 25 / 27، و 3 / 9 - 29 و 4 / 9 - 12 و 9 / 23 و 10 / 12 و 11 / 13 - 25 و 15 / 8).
وإغفال التوجيه " إلى كنيسة الله " أمر غريب، وسبب هذا الإغفال يفسر بسهولة، إذ بدا للرسول أنه لا يكتب إلى جماعة متحدة. وآخر الأمر أن الكلام الطويل في الفصلين التاسع والعاشر على شعب الله ومصير إسرائيل كلام موافق للمقام تمام الموافقة في هذا الرأي. وقد عاد بعض المفسرين إلى تبني هذا الرأي لعهد قريب أو عززوه ببراهين جديدة. فإذا صح هذا الأمر، كان للرسالة إلى أهل رومة طابع " مسكوني " رفيع قبل أن تحدث هذه الكلمة. إن هذا التفسير، على ما فيه من أسباب تستهوي للأخذ به، يبقى اقتراحا فحسب، وليس في الرسالة أي تلميح ظاهر من لدن بولس إلى حالة كنيسة رومة، فلا يسوغ لنا أن نعد هذا التفسير مثبتا. يبقى أنه يضئ إضاءة حسنة هذه الرسالة العسيرة الفهم الغامضة ويبعث الرغبة في الاهتمام بها.
[تصميم الرسالة] ما من نص في كل ما كتب بولس يتصف بما للرسالة إلى أهل رومة من أحكام في البنية ودقة في التصميم. ومع أن جميع المفسرين يرون في هذه الرسالة، وفي معظم سائر الرسائل، قسمين متميزين، الأول عقائدي (1 - 11) والآخر إرشادي أو تهذيبي، فإنهم لا يتفقون عندما يحاولون تحديد تصميمها على وجه دقيق. فذهب بعضهم إلى القول بأن لا بنية لها سوى بنية حوار، فالرسالة إلى أهل رومة ليست في رأيهم سوى رسالة مستعجلة نشأت عن حوار متواصل مع اليهود.
على أن معظم المفسرين يعتقدون أن في الرسالة تصميما محكما متعمدا، شريطة أن يعترف بأنها ليست تامة الوحدة، لا من جهة الانشاء ولا من جهة تناسق المعاني. فبولس ليس شيشرون ولا بوصويت، وفي ما يمليه تدفق خطابي لا يمكن حصره في فقرات. يقول هؤلاء المفسرون أن بولس أراد البحث في الخطيئة (الفصل 1 إلى 3 / 20)، ثم في التبرير (3 / 21 - 4 / 25)، وآخر الأمر في التقديس (5 - 8). ولكن خاتمة الرسالة، في هذا الرأي، سلسلة من الملحقات مستقلة كثيرا أو قليلا عن القسم العقائدي.
ولذلك أدت بحوث جديدة إلى اقتراح بنيات أخرى تبدو أقرب إلى المقصد الذي جعله بولس محور كلامه، وأكثر موافقة لأسلوب أنبياء العهد القديم، وقل أن يتبسطوا في الموضوع تبسطا منطقيا، بل كانوا يكثرون من تكرير المعنى على شكل دوائر مركزها واحد. وهذا، على سبيل المثال، موجز لأحد التصميمات المقترحة لعهد قريب: تصف الرسالة، في أربع مراحل متتابعة، شقاء النوع الإنساني وانتصار الإنجيل على هذا الشقاء.
1. شقاء الوثنيين واليهود وقد حكم الله عليهم (1 / 18 - 3 / 20) وتبرير جميع الذين يؤمنون بيسوع، بفضل نعمته (3 / 21 - 4 / 25).