الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٤٦٠
العهد القديم والإنجيل، وبالمواعد التي لا رجعة فيها لإسرائيل، وبدور إسرائيل في تاريخ الخلاص.
فتكون الرسالة إلى أهل رومة على وجه ما، في ميدان العقيدة، مقابل الجهد الذي بذله بولس في ميدان العمل لتنظيم جمع صدقات غايتها سد حاجات الجماعة المسيحية من أصل يهودي، وإظهار التضامن القائم بين المؤمنين من أصل وثني والمؤمنين من فلسطين.
أصحيح يا ترى، كما يشاع على العموم، أن أحوال الذين كتبت إليهم الرسالة أولا لم تؤثر في معنى هذه الرسالة ولا مبناها؟ إن صح ذلك، كانت الرسالة إلى أهل رومة خروجا على القاعدة في تراث بولس الأدبي، لأن سائر رسائله مؤلفات مرهونة بحدث من الأحداث، ودعت إلى كتابتها الحاجات الماسة للكنائس التي وجه إليها كلامه. ولذلك ألا يجب على المرء أن يسائل نفسه: ألا تعود كتابة الرسالة إلى أهل رومة، هي أيضا، إلى حالة كنيسة رومة في السنتين 57 - 58؟ كثير من المؤلفين اتجهوا في بحثهم نحو هذه الجهة، بيد أننا لا نعرف إلا القليل عن الحالة الراهنة في كنيسة رومة، حين كتب إليها بولس، وعن الذين يؤلفونها، وعن نزعاتها، وهكذا لا تتعدى الشروح المقترحة كونها افتراضات قابلة للبحث. لا نجد في الرسالة نفسها ولا إشارة صريحة واحدة. ولم يذكر بولس داعيا لمجيئه إلى رومة سوى رغبته الشديدة في " تأييد " إيمان المسيحيين في رومة. أما كان يخشى أن يروج المتهودون أفكارهم في رومة، كما فعلوا في بلاد غلاطية وقورنتس؟ أكان يتوخى تحذير أهل رومة من تصرفهم؟ ليس الأمر مستحيلا، ولكن ليس في الرسالة ما يجيز لنا أن ننسب إليه هذا الهدف (راجع مع ذلك 16 / 17 - 26). غير أن ما في هذه الفقرة من لهجة شديدة يخالف اللهجة الهادئة في بقية الرسالة.
بين جميع الافتراضات المقترحة، افتراض جدير بأن نتنبه له. فقد تساءل بضعة مفسرين منذ أول القرن التاسع عشر: ألا تكون الغاية الأولى من الرسالة إلى أهل رومة غاية توفيق؟ فمن المعروف أن الجالية اليهودية في رومة كانت كبيرة جدا، حتى أنها جلبت على نفسها أمرا بالطرد، أصدره الإمبراطور قلوديوس في السنة 49، وقد يكون السبب اضطرابات أثارها التبشير بإنجيل يسوع المسيح.
ومن المعروف أيضا أن هذا المرسوم شمل المسيحيين الذين من أصل يهودي أنفسهم، فذهب على الأثر أقيلا وبرسقلة، على سبيل المثال، إلى قورنتس (رسل 18 / 2)، ولكن لم يلبث الأمر أن ألغي، فعاد كثير من اليهود إلى رومة. ولما كتب بولس رسالته، كان أقيلا وبرسقلة قد عادا إليها هما أيضا (16 / 3). وللمرء أن يسائل نفسه: ألم يقف المسيحيون من أصل وثني موقفا فيه شئ من الازدراء والاستعلاء، وهم ينظرون إلى إخوتهم الذين من أصل يهودي لدى عودتهم إلى رومة (راجع 11 / 17 - 20 و 14 / 3 و 10 و 15 / 25 - 27)؟ أترى لم تنقسم كنيسة رومة انقساما عميقا، فانشطرت حزبين، يؤلف أحدهما المهتدون من الوثنية، والآخر المهتدون من اليهودية؟ فحاول بولس، والحالة هذه، أن يحمل الفريقين على أن يتقبل بعضهم بعضا وعلى أن ينتبهوا لوحدتهم الجوهرية، فتكون ذروة الرسالة الآية 7 في الفصل 15 وهي " تقبلوا بعضكم بعضا، كما تقبلكم المسيح لمجد الله "، ويكون هدف جميع الموضوعات التي شرحت آنفا الوصول إلى هذه النتيجة العملية؟
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 453 455 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة