وكيف يفوت النبي صلى الله عليه وآله هذه الفرصة المتاحة فلا يبلغ فيها الأمر، الذي طالما حرص على تبليغه وتأكيده منذ بعثته حتى اليوم، ولو بأدنى مناسبة كما أشرنا؟
لقد كان من الطبيعي أن ينتهز هذه الفرصة أيضا، ليبلغ للناس ويتم الحجة عليهم في أمر الخلافة، بل ويأخذ منهم البيعة لعلي عليه السلام ولا سيما:
1 - وأن النبي قد أوشك أن يدعى فيجيب.
2 - وأنه يعلم أن هذه الجموع التي معه لن تجتمع عنده بعد اليوم.
3 - وأن هذا الموضع تتشعب فيه طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.
هنا وقف رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لحقه من بعده، وأمر برد من تقدم من القوم إلى ذلك المكان، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس صلاة الظهر، ثم قام فيهم خطيبا يراه القوم كلهم ويسمعون صوته، فذكرهم بما دعاهم إليه في اليوم الأول من بعثته: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق... ".
ثم سألهم: " من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم " ثم قال:
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه... ".
ولقد نزلت في هذه الواقعة آيات من القرآن، فنزل قبل الخطبة قوله تعالى:
* (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...) * ونزل بعد فراغه صلى الله عليه وآله وسلم منها قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي...) *.
وكذلك الأمر في كثير من الوقائع المتعلقة بمناقب علي وأهل البيت عليهم السلام، فالنبي يأمر عليا بالمبيت على فراشه ليلة الهجرة وينزل أمين وحي الله بقوله: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله...) *.
ويأمره تعالى بالمباهلة قائلا: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم