مستأخرا، أشرت عليك قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله فيمن يجعل هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل فيهم فأبيت، وهذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقول له غيرنا وأيم الله لا يناله إلا بشر لا ينفع معه خير.
ثم جمع عبد الرحمن الناس بعد أن أخرج نفسه عن الخلافة فدعا عليا فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، فقال: أرجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي (فقال: نعم. صح. ظ) فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم إني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وبايعه.
فقال علي: ليس هذا أول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن! فقال عبد الرحمن: يا علي: لا تجعل على نفسك حجة وسبيلا، فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.
فقال المقداد بن الأسود لعبد الرحمن: والله لقد تركته - يعني عليا - وإنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد! لقد أجهدت (اجتهدت: ظ) للمسلمين، فقال المقداد: إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالحق ولا أعلم منه، فقال عبد الرحمن: يا مقداد اتق الله فإني أخاف عليك الفتنة.
ثم لما أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من تولية الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف، هذا كله فعلك! فقال: لم أظن هذا به لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه " (1).