4 - في الحديث نكتة مهمة لا بد من لفت النظر إليها، وهي أن هذا الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتبه إنما كان يوجب حفظ الأمة عن الضلال بعد حياته حيث قال:
لن تضلوا أو لا تضلوا، أو لا تضلون بعده، أي بعد هذا الكتاب، فإنه كان عالما - بإعلام الله تعالى - أنه ذاهب في القريب العاجل إلى ربه وإلى الرفيق الأعلى، فهذا الأمر لا يتعلق بهداية الناس في حياته وإلا لبينه للناس قبل ذلك في مكة أو في أوائل هجرته، فإن تبليغ ما أنزل إليه من ربه واجب عليه، فإن لم يفعل فما بلغ رسالته.
وبعبارة أخرى أن الذي قصد كتابته أمر خطير وحافظ من ضلال الأمة، لكنه ليس متعلقا بأيام حياته صلى الله عليه وسلم، بل يتعلق بحال المسلمين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي يستفاد بوضوح من قوله صلى الله عليه وسلم: (بعده)، يؤكده قوله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم...) فكما أنه ليس من أمور التوحيد والمعاد وسائر أصول الإسلام وليس من فروعه أيضا كما عرفت، كذلك ليس موردا لابتلاء المسلمين إلى ذلك اليوم وإلى حين وفاته وإلا لتوجه الإيراد عليه صلى الله عليه وسلم أولا:
بأنه لم يبينه لحد الآن، وثانيا: بأن الله أكمل الدين فما معنى ضلال المسلمين بعده.
5 - من الواضح أنه يخطر في ذهن كثير من أهل العلم وغيرهم أن مجرد منع جماعة من الصحابة بقيادة عمر (رضي الله عنه) لا يكفي لانصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة هذا الأمر المهم المانع عن الضلال، فلم أنصرف عنها ولم لم يبينه قولا وشفاها حتى طردهم عن بيته وسكت عن مراده؟ وهذا سؤال مهم جدا.
وجوابه عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن تأكيده على مراده بالكتابة لا يفيد